بدعوة من رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​، يُفترض أن تعقد اللجان النيابيّة جلسة مُشتركة يوم الأربعاء في السابع من تشرين الأول الحالي، لدرس إقتراحات القوانين المُرتبطة بالإنتخابات النيابيّة. فما هي التوقّعات بالنسبة إلى هذه الجلسة بحسب مواقف الكتل والجهات المَعنيّة المَعروفة سلفًا؟.

في حال إنعقاد هذه الجلسة، وعدم إرجائها لأيّ سبب كان، الأكيد أنّ التباينات والخلافات بين الكتل والنوّاب ستكون "سيّدة الموقف"، وذلك نتيجة عدم التوافق على أي قانون، وخُصوصًا بفعل تضارب كبير في مفهوم وطبيعة إقتراحات القوانين المَطروحة، مع العلم أنّ ليس هناك دولة في العالم تقوم بتبديل القوانين الإنتخابية بين دورة وأخرى، تبعًا لمصالح القوى والأحزاب والتيّارات التي تُشارك فيها، أي تبعًا للنتائج المُحقّقة!.

وفي كلّ الأحوال، إشارة إلى أنّ "​الثنائي الشيعي​" يُحاول جاهدًا تغيير ال​قانون الإنتخاب​ي الحالي، ليس لأنّه لم يُحقّق نتائج جيّدة في الإنتخابات النيابيّة السابقة، بل لأنّه يُريد توسيع سيطرته السياسيّة على المجلس التشريعي، عبر القوى الحليفة والصديقة. ويضغط هذا "الثنائي" لإقناع أكبر عدد مُمكن من النوّاب، للعمل معه على تغيير القانون الحالي، لصالح قانون جديد يقوم على توسيع الدوائر الإنتخابية قدر الإمكان وُصولاً إلى ​لبنان​ دائرة واحدة-إذا أمكن، وعلى إلغاء الحصانات الطائفيّة والمذهبيّة، الأمر الذي يفرض-في حال حُصوله، سيطرة الطوائف الكُبرى على الصُغرى، وسيطرة المذاهب الكُبرى على المذاهب الصُغرى.

في المُقابل، إنّ "تيّار المُستقبل" يريد تغيير القانون الحالي، لأنّ النتائج التي حقّقها في الإنتخابات السابقة كانت غير جيّدة،لكنه لا يُجاري "الثنائي الشيعي" بالقوانين المُقترحة للتغيّير. و"الحزب الإشتراكي" يريد بدوره تغيير القانون الحالي للسبب عينه الذي يُحرّك "تيّار المُستقبل" أيضًا،لكنّ كلاهما لا يتفق على قانون واحد، ولوّ أنّهما يُفضّلان القوانين التي تُعطي الكلمة الفصل للأكثريّة العدديّة ضُمن كل طائفة، وليس للنسبيّة التي من شأنها إبراز قوى صغيرة مُنافسة لكل من "المُستقبل" و"الإشتراكي" ضمن بيئة كل منهما المذهبيّة.

من جهة أخرى، إنّ حزب "​القوات​ اللبنانيّة" هو من بين الأفرقاء الذين يتمسّكون بشدّة بالقانون الحالي، ويُصرّون على أنّ أيّ تغيير في القانون يجب أن يصبّ لصالح تحسين التمثيل لكل طائفة ومذهب، وليس لصالح ذوبان مذاهب وطوائف بكاملها في مذاهب وطوائف أخرى، تبعًا للأكثريّة العدديّة. والمُفارقة أن "التيّار الوطني الحُرّ" يلتقي مع "القوات" في كثير من النقاط في الملفّ الإنتخابي، حيث يرفض إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في ما خصّ التمثيل المسيحي الذي كان مُزوّرًا ولا يعكس التمثيل الشعبي والسياسي الحقيقي، منذ العام 1990 حتى الأمس القريب. ومن المُتوقّع أن يواجه "التيّار" و"القوات"-كلّ من موقعه، أي مُحاولة لإعادة فرض منطق الأغلبيّة العدديّة على الأقليّات، أكان وفق تقسيمات إنتخابيّة طائفيّة أو مذهبيّة أو حتى مناطقيّة.

إلى ذلك، إنّ المُجتمع المدني مُنقسم بدوره على أكثر من قانون، فبعض الجماعات تريد إلغاء الطائفيّة وإعتماد لبنان دائرة إنتخابيّة واحدة، لكنّ جماعات أخرى لا تُوافق على هذا الرأي وتقترح خيارات مُغايرة تمامًا، علمًا أنّ كل مُمثّلي "المُجتمع المدني" يفتقرون إلى التمثيل النيابي داخل المجلس، ما يعني أنّ صوتهم غير مَسموع تحت قبة البرلمان، خاصة بعض الإستقالات النيابيّة التي حصلت في الماضي القريب. أكثر من ذلك، إنّ بعض القوى، على غرار حزب "الكتائب" بنسبة كبيرة، وحزب "القوات" بنسبة أقلّ، على سبيل المثال لا الحصر، إضافة إلى هيئات "المُجتمع المدني"، يُطالبون بتقديم موعد الإنتخابات، كلّ من مُنطلقات وإعتبارات مُختلفة، حيث هناك من يعتبر أنّ الوقت المُناسب شعبيًا لإلحاق خسائر كبيرة بأحزاب الأكثريّة النيابيّة، وهناك من يعتبر أنّ الوقت مناسب لقلب الطاولة على كامل الطبقة السياسيّة، إنّ المُمثّلة في الحُكومة المُستقيلة، أو تلك التي خرجت من الحُكم بالأمس القريب، إلخ.

وممّا سبق يُمكن القول إنّ التباينات، والخلافات كبيرة جدًا، بين مُختلف الجهات التي تُطالب بإجراء الإنتخابات، وبالتالي إنّ البحث في إقتراحات القوانين الإنتخابيّة سيُسلّط الضوء على حجم الهُوّة بين القوى السياسيّة المُختلفة في هذا السياق، وهو سيزيد مُستوى الإحتقان السياسي القائم، وسيفرز تحالفات مصالح جديدة تُعيد خلط الأمور على الساحة الداخليّة، ولوّ بالنسبة إلى ملف قانون الإنتخاب حصرًا.

في الخُلاصة، الأكيد أن لا توافق يُذكر على أيّ قانون إنتخابي جديد، والإنقسامات كبيرة في هذا المجال إلى درجة إفشال أيّ مُحاولة لتغيير القانون الحالي. أكثر من ذلك، لا توافق على إجراء إنتخابات نيابيّة مُبكرة، في ظلّ تشكيك مُتزايد بإمكان عدم إجراء الإنتخابات النيابيّة في موعدها المُقرّر في ربيع-صيف العام 2022، بحجّة رفض إجرائها وفق القانون الحالي، أو لأي سبب آخر!وعلى الرغم من أنّ الوقت لا يزال باكرًا على أيّ حديث حاسم في هذا المجال، إلا أنّه من المُفيد عدم الرهان على حُصول أيّ تغيير جذري في لبنان، عبر محطّة الإنتخابات، لأنّ مصالح مجموعة واسعة من القوى ستتلاقى على منع هذا الأمر، عبر أيّ أسلوب مُتاح. فلا ترفعوا سقف الآمال بالتغيير، كثيرًا!.