لم تعد العلاقة بين "التيار الوطني الحر" و"الثنائيّ الشيعيّ"، وتحديداً "حزب الله"، إلى سابق عهدها بعد، على رغم طيّ صفحة "المبادرة الفرنسية"، بانتظار "فرجٍ" ما، لا يُتوقَّع حدوثه قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، في أقلّ تقدير.

فعلى رغم حرص الأمين العام لـ"حزب الله" ​السيد حسن نصر الله​ على "استرضاء" حليفه "العونيّ"، من خلال إثارة قضية "صلاحيات رئيس الجمهورية"، في خطابه الأخير، بدا واضحاً أنّ "الندوب" في العلاقة بين الجانبيْن لم تنتهِ فصولاً بعد.

ولعلّ "اتفاق الإطار" الذي أعلنه رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ الأسبوع الماضي، شكّل "مادة مُضافة" على خط "الإشكاليات" بين الطرفين، وهو ما تُرجِم برسائل واضحة تمّ تبادلها، ولو على طريقة "الغمز واللمز" الذي قد يكون أكثر تعبيراً.

وفي وقتٍ لا يتردّد البعض في الحديث عن "تباعدٍ منسَّق" بين الجانبين، انطلاقاً من "تفهّم" كلّ طرفٍ لخصوصيّة الآخر، يبقى "التعويل" لدى كثيرين، على "تقاربٍ" لا بدّ منه بين الجانبيْن، عاجلاً أم آجلاً، تمهيداً لجولة المشاورات الحكوميّة المقبلة...

رسالة "امتعاض"؟!

عندما أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري "اتفاق الإطار" الذي يرسم خريطة المفاوضات مع ​إسرائيل​ على خطّ ​ترسيم الحدود​، "استنفر" الكثير من "العونيّين" للحديث عن مدى "صلاحيّة" بري لإعلان مثل هذا الاتفاق، ولإدارة التفاوض من الأساس، وهو الذي "يحصره" ​الدستور​ برئيس الجمهورية، علماً أنّ "الأستاذ" تعمّد أن يؤكد في ​مؤتمر​ه الصحافي أنه "آخر من يمكنه مخالفة الدستور".

سريعاً، انتقلت "التكهّنات" إلى "واقع"، ليتجلى "الامتعاض الرئاسي" من خطوة بري، عبر البيان الرئاسيّ المقتضب، ولو أكّدت الأوساط المعنيّة أنّه جاء "منسَّقاً" مع جميع المعنيّين، إذ كان لافتاً أنّه خلا من أيّ إشارةٍ إلى مؤتمر بري من قريبٍ أو من بعيد، بل أكثر من ذلك، حاول الإيحاء بأنه جاء بنتيجة "إعلانٍ" أميركي صدر على لسان ​وزير الخارجية​ الأميركي ​مايك بومبيو​ حول التوصّل إلى "اتفاق"، رغم أنّ بري كان من أعلن الاتفاق، والأميركي هو من "رحّب" بالخطوة التي وصفها بـ"التاريخية".

صحيحٌ أنّ بعض المتابعين، وبينهم مقرّبون من رئيس الجمهورية ومحسوبون عليه، يقلّلون من شأن هذه "الملاحظة"، معتبرين أنّ إشارة عون إلى الأميركي جاءت في سياقها، باعتبار أنّ أميركا ستكون بموجب الاتفاق هي "الوسيط والمسهّل"، إلا أنّ البعض الآخر لا يقلّل من وقْع "دلالات" مضمون البيان الرئاسيّ، الذي أكّد المؤكّد، لجهة أنّ الرئيس عون لم يكن "راضياً" عن المسار الذي اتخذته المفاوضات التي أدارها بري من الأساس، خلافاً لأيّ نصّ دستوريّ أو قانونيّ، علماً أنّ محاولاتٍ عدّة بذلها "العهد" سابقاً لنقل الملفّ إليه، من دون أن ينجح.

ويلفت أصحاب وجهة النظر هذه إلى أنّ رئيس الجمهورية حرص في بيانه على القول إنّه من "سيتولى التفاوض" في المرحلة المقبلة، "عملاً بأحكام الدستور"، للتعبير صراحةً عن هذا "الامتعاض"، مع أنّ هذا الأمر كان قد أصبح "تحصيلاً حاصلاً"، بدليل أنّ رئيس مجلس النواب أعلن في مؤتمره الصحافيّ أنّ "مهمّته انتهت"، ناقلاً بذلك كرة المفاوضات إلى رئيس الجمهورية والحكومة المقبلة، إضافة إلى قيادة الجيش اللبناني، وأصرّ على أنّ الاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه "مبدئي" وليس "نهائياً"، ويتعلق بتحديد "خريطة التفاوض"، وليس أكثر من ذلك.

باسيل "على الخط"!

لكن، إذا كان بيان عون الرئاسيّ ترك مساحةً للأخذ والردّ، ولو نسبياً، وبالتالي التفسير والتعليل، باعتبار أنّه أراد رسم "خريطة طريق" المرحلة المقبلة من المفاوضات، شأنه شأن بري، بمُعزَلٍ عن "رضاه" عن دور الأخير، الذي نال "مباركة" حليفه "حزب الله"، فإنّ دخول رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل على الخط، جاء ليثبّت "الهواجس"، ويؤكد "الندوب" بين الطرفيْن.

ويشير العارفون في هذا السياق، إلى أنّ دعوة باسيل إلى "مفاوضات على الطريقة اللبنانية"، "لا الفارسية ولا العربية"، لم تنزل برداً وسلاماً على "الثنائي"، الذي لم تفهم أوساطه سبب "إقحام" من وصفهم بـ"الفُرس" في صلب تعليقه على الاتفاق-الإطار، فيما لم يتوانَ الجمهور "الافتراضيّ" للثنائيّ، ولا سيما "حزب الله"، بالردّ مباشرةً على باسيل عبر وسائل التواصل، وبشكلٍ لم يَخلُ بدوره من العِبَر والدلالات.

وفيما يعتبر بعض المقرّبين من "الثنائي" أن باسيل كان بغنى عن هذه "اللطشة" التي لا تُفهَم سوى في سياق الاستراتيجية التي يعتمدها الرجل منذ فترة، وقوامها "التباعد" عن "حزب الله" لعلّ ذلك يقيه "شرّ" ​العقوبات الأميركية​ المسلَّطة على رأسه، فإنّهم يعتبرون أنّ "الخطيئة" التي وقع بها أنّه أقحم "الفرس"، رافضاً لاستراتيجيتهم، داعياً في المقابل لاعتماد استراتيجية هم "رُوّادها"، خصوصاً بالنظر إلى العنوان "العريض" الذي وضعه لها، تحت شعار "الصلابة والمرونة"، وهو الذي تبنّته الدبلوماسية الإيرانية على الدوام.

ومع أنّه قد يكون صحيحاً أن كلام باسيل "حُمّل أكثر ممّا يحمل" من جمهور "الثنائي" الذي بات "العونيّون" يتّهمونه بـ"التحسّس أكثر من اللزوم"، في وقتٍ ينبغي أن يكون أول "المتفهّمين" لوضع "الحليف"، فإنّ البعض الآخر لا "يعزله" عن السياق الذي جاء فيه، علماً أنّ تغريدةً أخرى لرئيس "التيار الوطني الحر" أثارت "امتعاض" الثنائيّ، ولو مرّرها دون "ضجّة"، حين أعلن "موافقته" على ما ورد في المؤتمر الصحافي الأخير للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الهجوميّ على "الثنائي"، مبدياً "اعتراضه" فقط على "تعميم الاتهام" ليشمل فريقه، فقط لا غير.

لن يُمحى بسهولة...

كثيرةٌ هي "التحليلات" التي تُعطى لـ"التباعد" بين "التيار الوطني الحر" و"الثنائي"، ولا سيما "حزب الله"، باعتبار أنّ العلاقة بين "التيار" ورئيس مجلس النواب لم تكن يوماً "مضرب مثل"، أو "نموذجاً يُحتذى" في العلاقات بين الأطراف السياسية.

ثمّة من يقول إنّ هذا "التباعد" شكليّ، وهو في "مصلحة" الطرفيْن، اللذين يتفهّم كلٌّ منهما "خصوصية" الآخر، وبالتالي "الدوافع" التي تفرض عليه اعتماد "منهجيّة" محدّدة في مقاربة المتغيّرات والتطورات في لحظةٍ "مفصليّة" كتلك التي يعيشها لبنان اليوم.

لكن، ثمّة من يرى في الأمر بوادر "خلافٍ" بعيد المدى، لا يشبه "الاختلافات" التي واجهها "تفاهم مار مخايل" سابقاً، وتخطّاها من دون أن "يهتزّ"، خصوصاً أنّ "العهد" بات في مكانٍ ما، يحمّل "الثنائي" مسؤوليةً أساسيّة في إفشاله، عبر عرقلة خطط النهوض.

هناك في "التيار" من يعتقد أنّ المبادرة الفرنسية كانت "الفرصة الأخيرة" لـ"العهد" للتمرّد على ذاته، وضرب "المؤامرة" التي تستهدفه، فإذا بإصرار "الثنائيّ" على حقيبة المال، ورفضه "الانفتاح" على أيّ حلّ وسط، ولو جاء من طرف رئيس الجمهورية، يطيح بها عن بكرة أبيها.

قد تعود الأمور إلى سابق عهدها قريباً، ويعود الجانبان إلى "صفحات" تفاهمهما المكتوب، لكنّ الأكيد أنّ ما "فضحته" الأيام الأخيرة من "تباعدٍ" في "النفوس" لن يُمحى بسهولة...