بدعوته إلى الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس حكومة جديد، يوم الخميس المقبل، نجح رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ في "تحريك" الملفّ الحكوميّ بعد "جمودٍ" طبعه منذ "اعتذار" السفير ​مصطفى أديب​ عن تأليف الحكومة، وما أثير عن "ترحيله" بالكامل إلى ما بعد ​الانتخابات الرئاسية​ الأميركيّة المقبلة.

منذ تلك اللحظة الفاصلة، لم يُسجَّل أيّ تطوّر "نوعيّ" على خطّ الاتصالات، حتى بدا للمراقبين أنّ المعنيّين توافقوا ضمناً على "طيّ صفحة" الحكومة بالكامل، بانتظار "فرجٍ" قد يأتي وقد لا يأتي من الخارج، وتحديداً من الإقليم، ليُحصَر التواصل "الخجول" الذي بقي قائماً بين بعض الفرقاء، بـ"العموميّات".

ولعلّ المفارقة تمثّلت في أنّ من "يستنفرون" عادةً رفضاً لتأجيل موعد الاستشارات، صمتوا عن الكلام المُباح، تاركين لرئيس الجمهورية تحديد موعدها كيفما يشاء، ما يطرح التساؤلات عن "الأساس" الذي ينطلق منه عون لتحديد الاستشارات الخميس المقبل، والأهمّ من ذلك، كيف سيلاقيه الفريق الآخر، ولا سيما رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​...

"دوافع منطقيّة"

صحيحٌ أنّ الأجواء التي سبقت دعوة رئيس الجمهورية إلى الاستشارات لم توحِ بأيّ شيءٍ يبعث على "الأمل" بالتوافق، ليس على "السلّة الكاملة" كما كان يطالب "العهد" في السابق، ولكن على اسم الشخصية التي يمكن تكليفها، فقط لا غير، لكنّ "دوافع" واقعيّة ومنطقيّة دفعت عون إلى "المبادرة".

ولعلّ "الدافع" الأول، والأكثر "إلحاحاً" ربما، تمثّل في رغبة رئيس الجمهورية بإعادة "تحريك" الملفّ الحكوميّ، بعدما لمس "تجاهل" العديد من الأفرقاء المعنيّين له، وصولاً إلى حدّ "إطفاء المحرّكات" بالكامل، وكأنّ "المهمّة" انتهت مع "اعتذار" السفير مصطفى أديب. ويعتقد عون أنّه يستطيع من خلال الدعوة إلى الاستشارات، "إدارة" هذه المحرّكات تلقائياً، للاتفاق على اسم رئيسٍ مكلَّفٍ جديد بالحدّ الأدنى.

ولأن الدعوة لهذه الاستشارات جاءت بعد "تكثيف" التسريبات "غير البريئة" في الساعات السابقة لها، حول سيناريوهات غير واقعيّة ولا دستوريّة، ولا أساس لها في الأصل، من قبيل تعويم حكومة تصريف الأعمال، أو حتى عودة رئيسها حسّان دياب عن استقالته، فإنّ عون أراد أيضاً "توجيه" رسالة واضحة للخصوم، مفادها أنّ "صفحة" الحكومة السابقة قد طُويت، وأنّ المطلوب "التوافق" سريعاً لإنتاج حكومة جديدة.

وإذا كان الحديث عن "اتفاقٍ" على الاستشارات قد جرى في الطائرة بين عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري في الرحلة من وإلى الكويت، يحتمل الصواب في جانبٍ كبيرٍ منه، فإنّ الأكيد أنّ ما أثير عن "حكومة لونٍ واحدٍ" يدفع إليها البعض، قد لا يكون بعيداً عن "الدوافع" المذكورة أعلاه، وإن كانت كلّ المؤشّرات والمعلومات تؤكد أنّ قوى الأكثرية، بما فيها "​التيار الوطني الحر​" و"الثنائي الشيعي"، تستبعد هذا الخيار كلياً، حتى إشعارٍ آخر.

الكرة في ملعب الحريري؟!

بعيداً عن كلّ ما سبق، ليس خافياً على أحد أنّ أحد أهمّ "الدوافع" التي تحرّك "مبادرة" رئيس الجمهورية يكمن في "رمي الكرة" في ملعب الفريق الآخر، ولا سيما رؤساء الحكومات السابقين، وتحديداً أكثر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، الذي يستعدّ لإطلالةٍ تلفزيونيّةٍ خلال الساعات المقبلة، قد يُبنى عليها الكثير في "بلورة" مصير الملفّ الحكوميّ برمّته.

فإذا كان الحريري أعلن سابقاً عدم نيّته تكرار "تجربة" مصطفى أديب، عبر تسميته لأيّ مرشّحٍ لرئاسة الحكومة يحظى بقبول الأفرقاء الآخرين، متمسّكاً بمقولة أنّه ليس بوارد العودة شخصياً إلى السراي في هذه المرحلة، فإنّ رئيس الجمهورية والمحيطين به يعتقدون أنّ موقف الحريري سيكون "جوهرياً" على مستوى إنجاح أو إفشال الاستشارات، وبالتالي فإنّ تحديد موعدها بصورةٍ نهائيّة يأتي بغية "إلزامه" باتخاذ موقفٍ واضحٍ وصريحٍ منها.

ولأنّ الحريري يكرّر منذ "اعتذار" أديب "تمسّكه" بالمبادرة الفرنسية، ولو سجّل في بيانه الشهير في لحظة "الانفعال" ربما، بعيد الاعتذار، عبارة "عضّ الأصابع ندامةً" التي توجّه بها إلى من "عرقلوا" مهمّة الرجل، وصولاً إلى حدّ "إسقاط" المبادرة الفرنسية، فإنّ "رهان" فريق رئيس الجمهورية يبقى على موقفٍ للحريري "ينسجم" مع متطلّبات المبادرة الفرنسية، من دون استبعاد دخول الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​ مجدّداً على الخط معه، في سبيل إنجاح مبادرته، وعدم الاضطرار إلى "نعيها" بالمُطلَق.

وقد لا يكون "تفصيلاً" في هذا الإطار ما حرصت بعض المصادر المقرّبة من رئيس الجمهورية على "تسريبه" قبل ساعاتٍ من الدعوة إلى الاستشارات، عن إمكان وجود "تباعدٍ" بين الحريري و"شركائه" في نادي رؤساء الحكومات السابقين، انطلاقاً من إصدار رئيس الحكومة السابق بياناً "فردياً" بعد اعتذار أديب، وذهابه إلى الكويت "منفرداً"، فيما بقي ثلاثيّ نجيب ميقاتي و​فؤاد السنيورة​ و​تمام سلام​ "مجتمعاً"، علماً أنّ هناك من يلفت إلى "خطيئة" وقع فيها "المسرِّبون" حينما "تجاهلوا" البيان المشترك الذي أصدره "الرباعيّ" رداً على خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله.

عصفوران بحجر!

تتّجه الأنظار إذاً إلى ما سيقوله رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في الساعات المقبلة، لكن أكثر من ذلك، إلى ما سيفعله من الآن وحتى يوم الخميس المقبل، الموعد المفترض للاستشارات، ولو أنّه يبقى قابلاً للتغيير وفق بعض العارفين.

ثمّة من يسأل إذا ما كان الحريري سيقبل بتسمية غيره من جديد، سواء من الأسماء "التقليدية" كما يرغب فريق "الأكثرية"، أو "الجديدة" كما يفضّل هو، علماً أنّ هناك من يصرّ على أنّ الرجل لا يزال متمسّكاً بفكرة "إحراق" أيّ مرشّحٍ يُطرَح، بانتظار رفع "الفيتو" الإقليمي والدولي عن اسمه الشخصيّ، ليكون هو "المُنقِذ".

في كلّ الأحوال، ثمّة من يقول إنّ رئيس الجمهورية ضرب أكثر من عصفور بحجر الاستشارات، فهو "حرّك" الملف الحكوميّ بعد "سباتٍ" زاد عن حدّه، لكنّه في الوقت نفسه، أزال كرة "التعطيل" عن نفسه، ورماها في ملعب الآخرين، وهنا "بيت القصيد" بالنسبة إليه، خصوصاً أمام الفرنسيّين!.