ليست المرة الاولى التي تصدح فيها اسماء اصحاب المليارات من الدولارات في ​لبنان​، من على صفحات مجلة "فوربس" المتخصصة في رصد اموال كبار الاغنياء في ​العالم​. واذا كان مفهوماً وجود أثرياء من أصل لبناني في العالم يعيشون خارج لبنان منذ ولادتهم او منذ زمن بعيد، ولا يحملون من صفاتهم اللبنانية سوى جذور الأجداد، فإن الغريب حقاً هو تواجد كبار الأثرياء اللبنانيين في لبنان طوال الوقت، ووصولهم الى مراكز متقدمة في الحياة السياسية والحياة العامة، دون اعتماد أي تدابير تضع حداً للتدهور الذي عاشه ويعيشه هذا البلد والذي بات يهدّد هويته وتاريخه وشعبه.

يثار الكثير من الشكوك حول هذه الأموال وطريقة الحصول عليها وزيادتها بأضعاف، إنما بغض النظر عن هذه الشكوك وما إذا كانت صحيحة ام لا، من المؤكد أن هؤلاء قد دخلوا لعبة الحمايات الطائفيّة والمذهبيّة وأتقنوها جيداً، بحيث أنه وبمجرد توجيه تلميح الى إمكان وجود مسائل غير شرعية استفادوا منها في تحصيل الأموال، ينبرون الى الإحتماء بالعباءة الدينية وبمؤيديهم الذين ينتشرون في الطرقات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي ويشنّون الهجمة تلو الاخرى على كل من يخالف "الزعيم" او "المسؤول" او "الثري الفاعل" الرأي. وحتى لو سلّمنا جدلاً بأن هذه الأموال شرعيّة بشكل كامل، ولا تشوبها شائبة، وان اصحابها قدّيسون ومن الّذين اصطفاهم الله ليشكلوا قدوة للبشر، فإن مجرد تواجدهم في لبنان ومشاركتهم في دهاليز المشاريع والصفقات والتسويات المشبوهة، دليل واضح علىى رغبتهم وحبّهم لمثل هذا الامر، وإلا لكانوا عمدوا الى تصفية أملاكهم وحساباتهم في هذا البلد، واكتفوا بما يملكونه خارجه لعيش حياة رغيدة بعيدة عن الهم العام و​السياسة​ ومستنقعاتها الوسخة، وفضح كل شخص شارك او يشارك في الهدر و​الفساد​. لكن حبهم للنفوذ والمشاركة في السيطرة على بعض المناطق او القطاعات، تغلّب على الطبيعة الانسانية، ولم يقووا بالتالي على اتخاذ خطوة بنّاءة في سبيل التميّز عن غيرهم.

وبدل ان يخرجوا بأفكار ومعطيات وربما شروط يضعونها على المعنيين للمساهمة في إنهاض البلد ورسم سكة جديدة قائمة على الإصلاح، تراهم يفاخرون ويتبجّحون بإقامة مشروع صغير من هنا، او مستوصف من هناك، وهي أمور جيدة لكن الهدف منها الظهور والمفاخرة و"تمنين" الناس بصرف حفنة من الدولارات، بدل إقامة المشاريع الإنمائية او الإنتاجية التي من شأنها ضمان الاستمراريّة وبدء مسيرة التهيئة الفكرية للإكتفاء الذاتي في حقل الغذاء أو ​الزراعة​ أو غيرهما... لا أحد يسأل هؤلاء الأشخاص أن يهبوا أموالهم او يتخلّون عنها لوجه الله، ولكن المطلوب أن يستثمروها في لبنان بالطريقة الصحيحة، بدل أن يعمدوا الى استثمارها بطرق تساهم، من حيث يدرون أم لا، في إغراق البلد بالمزيد من التعقيد والفوضى وتعكير حياة اللبنانيين وتعقيدها.

من هنا، يحتار المرء في توصيف هؤلاء الأثرياء، ففي حين يراهم الكثيرون من خارج لبنان على أن من المفترض أن يكونوا ​الدواء​ الشافي له من مشاكله وخصوصاً منها المالية، يثبتون يوماً بعد يوم أنّهم من المكونات الأساسية للداء الذي يعاني منه البلد. ولذلك، لا يمكن لأي لبناني أن يفتخر بوجودهم ضمن قائمة الأثرياء وأغنى أغنياء العالم، لأنهم يتعاطون بكل الامور، بما فيها حسابات الوطن والمواطنين، على أنها تجارة والهدف منها الربح المادي فقط. ليست الوطنيّة في إيهام الآخرين بأن البقاء في لبنان هو ضرب من ضروب الرهان على استمراريته، فيما الحقيقة هي خوفهم على مشاريعهم ومصالحهم وأن يخسروا نسبة من الأرباح كي يستمروا في تخزين الاموال وتسلّق سلم الأثرياء في العالم للوصول الى... الحضيض.