كتب انور عبد الملك ومكسيم رودنسون ان ​الحركة الوطنية​ على مدى الاوطان العربية تتكون من حركة على مرتبتين او على دورين: الدور الاول توحيدي والدور الثاني تفريقي، مما يجعل المخاض العام مرتبطاً بجدلية التناقضات المستمرة. لكن الغلبة للتوجه غير محسومة بل ممزقة ما بين الوحدة والانفصال.

و​لبنان​ مثال يومي بل تاريخي لعدم استقرار النزعات المتناحرة الانفصالية والسكون الوطني الجامع في حركة مستمرة من المد والجزر المتواصل، ما يُدخل البلاد في حالة عدم الاستقرار الدائم وعدمية الحلول ... وهذا يجعل حياة الناس صعبة خصوصاً مع عجز ​الدولة​ العميقة والمجتمع عن بناء هيكليات ادارية واقتصادية دائمة وقوية بسبب انعدام الرؤية المستقبلية الواضحة وفقدان الافق.

إن اليوميات المخجلة لزعامات الاقليات المتناحرة مشرذمة باصطفافات قبلية مناطقية عائلية مشاعي تحاكي الدينامكية الاجتماعية محاكاة سلبية وتحافظ على عصبية الجماعة. أما الإصطفاف الآخر فأبوي وطائفي يخاطب سلطة المعتقد على العباد ويحدد الحصص لكل فريق من الدنيا والآخرة في الحصاد الوطني الجَدِيب .

المعضلة الاساسية اللبنانية تكمن في ان انتماء الكيان اللبناني غير محدد بل مجهول التوجه،

فالانتماء الى العصبية اللبنانية غير محسوم عند الجماعات والطوائف بل ان نزعة التقسيم واردة كل يوم في الذهن الجماعي المُبرمج على ثقافات فئوية هجينة.

اماالانتماء اللبناني العربي فهو مأزوم وتشكيكي بفعل ازمة العرب العميقة وبفعل الانكشاف المتعمَّد والانكسار النفسي المتفاقِم امام العدو الصهيوني .

يطوف لبنان واهله في بحر من التناقضات المصيرية ، وما كانت هذه المأزومية بحاجة إلى فضائح ​الفساد​ وتحويل الاموال المشبوه وسرقة اموال المودعين الصغار وافلاس الشركات بفرض الفوائد الباهظة وخنق ​الاقتصاد​ المنتج وسوء ادارة الازمة ماليا واقتصاديا وتسلط البنوك على القرارات المصيريةوثورة الناس الاوادم على كل ما يحصل، ثم الحصار وال​انفجار​ المرعب في ​مرفأ بيروت​ واندلاع الحريق بعد ايام والهجمات التكفيرية. وما حصل البارحة في ​الطريق الجديدة​ من انفجار مرعب وقاتل .... يتساءل اهلنا واولادنا هل كل هذا مشيئة ربانية ام مشبوه ومدبَّر ؟!

يرنو لبنان واللبنانيون الى تلقف اي وسيلة نجاة بما فيها الخارج والانتماء الى قوة جغرافية سياسية كبيرة حاضنة من أجل تنظيم مأساتهم المستمرة التي فقدوا الأمل بأي سيطرة محلية محتملة عليها. وبدأوا يحلمون بشراكة اوروبية تُمكّنُهُم من مواكبة العصر بالقفز من التخلف الى الحداثة، ومثال قبرص الحي أمام أنظارهم الدامعة فهل ينجحون ام يهاجرون ؟