لم يغيّر رئيس ​الحزب التقدمي الاشتراكي​ ​وليد جنبلاط​ من عاداته، فأطلق العديد من المواقف والكلام وزّعه على محاور وجبهات عدة، منه اللوم والعتب، ومنه القلق والخوف، ومنه التحذير من الخراب الشامل. يستأهل كلام جنبلاط التوقف عنده حول العديد من المواضيع والملفّات، ولكن الاهم رغم كل المصائب والويلات التي نعيشها في لبنان، ما قاله لجهة انّ "اي شخص من اي ​طائفة​ يفكر في مغامرة ​عسكري​ّة هو مجنون"، ما اثار الكثير من التساؤلات والتعليقات والتحليلات، خصوصاً وان المشاكل التي تضغط على لبنان حالياً تأخذ طابعاً اقتصادياً ومالياً، ولكنه انعكس على الوضع السياسي وبدأ يطرق ابواب الاستقرار الامني. اضافة الى ذلك، اعاد هذا الكلام الى الاذهان ما سبق للرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​ قوله في المؤتمر الصحافي الاخير الذي خصصه للبنان واشارته بوضوح الى وجود دول اقليميّة ترغب في مواجهة ​حزب الله​ عسكرياً في لبنان. وما ان انتهى جنبلاط من تحذيره هذا، حتّى توجهت اصابع الاتهام الى رئيس ​القوات اللبنانية​ ​سمير جعجع​ بالجهوزيّة لخوض هذه التجربة الكارثيّة على لبنان ككل، وليس فقط على الحزب والقوّات.

اما السبب الذي دفع البعض الى وضع جعجع في قفص الاتّهام في هذا الموضوع، فيعزوه مطلعون على الوضع اللبناني الى عوامل عدّة ابرزها ان له ارتباطات خارجية قوية مع الاميركيين والسعوديين والدول التي يهمّها تقويض قوّة حزب الله في لبنان عبر كافة الوسائل بما فيها العسكرية. ويقول هؤلاء ان السبب الرئيسي لخلاف رئيس ​تيار المستقبل​ ​سعد الحريري​ مع جعجع يعود الى اقتناع الاول بدور رئيسي لرئيس القوات في احداث الشرخ الكبير بين الحريري والمملكة. ويتابع هؤلاء انفسهم انه من الاسباب ايضاً ان القوات كانت ميليشيا مسلّحة وتعد الاكثر تنظيماً في حينه بين الميليشيات التي كانت موجودة على الارض اللبنانية، وبالتالي فإن كوادرها القديمة قادرة على احياء نشاطها عند الحاجة وبالسرعة اللازمة، وستضمن ايضاً التفاف الشارع المسيحي حولها عند حصول المشاكل والخلافات الدمويّة مع الاطراف الاخرى وبالاخصّ الطرف الشيعي.

ويعرض المتابعون ايضاً سبباً آخر أدّى الى توجيه الاتهامات لجعجع بالاستعداد للقيام بـ"مغامرة عسكرية"، ويكمن في انه قادر على الوصول الى أسلحة كافية لاعادة رسم خطوط تماس جديدة في لبنان، كما انه من محبّذي ​الفدرالية​ منذ زمن بعيد، ومن المنطقي ان يعمل في سبيل محاولة وضعها موضع التنفيذ العملي والتطبيقي اذا ما امكنه ذلك.

في مقابل كل هذه المعطيات، يبقى الكلام عن مغامرة عسكريّة من هذا النوع مجرد خطط او مشاريع، ما لم تحصل على ضوء اخضر دولي وليس اقليمياً فقط، فالروس باتوا على الحدود في ​سوريا​، واي تطور عسكري جذري في لبنان سيؤثر حكماً على الوضع هناك وعلى ​السياسة​ الروسيّة في المنطقة ككل. كما ان الاميركيين بذلوا جهوداً مضنية للوصول الى اتفاق سلام بين دول عربية و​اسرائيل​، وللبدء بالمفاوضات ل​ترسيم الحدود​ بين لبنان وعدوّه في ​الجنوب​، ولن يكون من السهل اقناعهم بالتفريط بكل ذلك من اجل نتائج غير مؤكد الحصول عليها.

ربما من هذا المنحى وصف جنبلاط من يحضّر لهذا الامر او من يستعد لركوب هذه الموجة بـ"المجنون" لان القراءة المنطقية حالياًتسير عكس هذا التوجّه تماماً، ولايمكن الركون الى رغبة بعض الدول الاقليمية لتحويل احلامها الى حقيقة، بمعزل عن موافقة الدول الكبرى، ناهيك عن الصعوبات العمليّة في مقاتلة حزب الله وحلفائه، وما سيترتب على لبنان ككل من ويلات وكوارث ستكون نتيجتها اسوأ من سنوات الحرب التي عشناها كلبنانيين، لتكون نهايتها ايضاً توافق صوري وتخزين تراكمات هائلة من الاحقاد جاهزة لاشعال النار من تحت الرماد.