تنطلق اليوم مفاوضات ​ترسيم الحدود​ بين ​لبنان​ و​إسرائيل​. هذه المفاوضات طال انتظارها، وأصبحت أكثر من ضرورية، خصوصاً أن لبنان بحاجة إلى ترسيم حدوده البحرية مع ​اسرائيل​ كونها ستنعكس على ترسيم الحدود البحرية غير المرسمة سواء مع قبرص و​سوريا​، وكي يستطيع الاستفادة من الثروات النفطية و​الغازية​ الموجودة في قعر ​البحر المتوسط​ لا سيما في البلوكات المحاذية لإسرائيل.

وفي هذا الإطار، لا بد من العودة الى أهم المعاهدات والقوانين التي اقرّها لبنان والتي من الممكن ان يتسلح بها ​الوفد اللبناني​ المفاوض كون المفاوضات ستكون شاقة وطويلة ولا يمكن التكهن بنتائجها إلا باعتماد القانون والمنطق والاجتهادات المماثلة الصادرة عن المحاكم الدولية.

لكن قبل البحث في القوانين اللبنانية لا بد من الاشارة الى انه من المعروف ان البحر يُقسّم إلى قسمين أساسيين هما البحر الإقليمي التابع للدول الساحلية ويخضع لسيادتها المطلقة، وأعالي البحار التي لا تخضع لأي سيادة. واعتبر الاجتهاد الدولي بأن الحقوق البحرية تكمل السيادة الإقليمية التي تتمتع بها الدول، إلا أن التطور الاقتصادي والملاحي ونظراً إلى ما يوجد في البحار من ثروات مختلفة تحتاج إليها المجتمعات أضاف على تقسيم البحار حكماً وعلى مرّ السنوات مناطق بحرية متفرّقة.

وهذه المناطق هي:

- المنطقة المتاخمة zone contigüe،

- الجرف القاري plateau continental،

- والمنطقة الاقتصادية الحصرية ZEE .

جميع هذه المناطق البحرية بحاجة إلى تحديد عبر الترسيم وذلك انطلاقاً من خط أساس، وما تجدر الإشارة إليه أن الصلاحيات التي تمارسها الدول في هذه المناطق ليست متطابقة وليست جميعها صلاحيات سيادية بل قد تكون اقتصادية أو جمركية.

وفي ما خصّ تحديد الحدود البحرية وفقاً للقوانين اللبنانية:

- ينص ​الدستور اللبناني​ صراحة في مادته الثانية على أنه لا يجوز التخلي عن أحد أقسام الأراضي اللبنانية أو التنازل عنها. وتعتبر المناطق البحرية من الاراضي اللبنانية التي يجب حمايتها والاهتمام بها.

- في العام 1983 بموجب المادة الأولى من المرسوم الاشتراعي رقم 138/83 حدّد لبنان عرض البحر الإقليمي اللبناني بـ 12 ميلاً بحرياً من ​الشاطئ اللبناني​، بدءاً من أدنى مستوى من الجزر، مع مراعاة أحكام الاتفاقات الدولية التي يكون لبنان فريقاً فيها أو منضماً إليها. كما أعطى المرسوم ​مجلس الوزراء​ صلاحيات أن ينشئ مناطق محرّمة تحظر فيها الملاحة البحرية.

- في العام 1995 وبموجب القانون 295 انضم لبنان إلى اتفاقية ​الأمم المتحدة​ لقانون البحار "مونتيغوباي (الجاماييك) Montego Bay" التي أقرّت في العام 1982 . أهمية هذه الاتفاقية اأها أنشأت منطقة بحرية سُمّيت بالمنطقة الاقتصادية الخالصة تمتدّ إلى 200 ميل بحري من خط الأساس (حوالى 370 كلم). وكما أسلفنا، في حين تمارس ​الدولة​ سيادة كاملة على بحرها الاقليمي، يعترف لها بحقوق سيادية في المنطقة الاقتصادية الخالصة.

- تطبيقًا لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار صدر بتاريخ17/8/2011 القانون رقم 163 (قانون تحديد واعلان المناطق البحرية للجمهورية اللبنانية) يحدّد فيه لبنان مياهه الداخلية وبحره الاقليمي والمنطقة الاقتصادية الخالصة، والجرف القاري. تجدرالاشارة إلى أن قانون الاطار هذا لم يرفق بأي خارطة تفصيلية (على رغم مطالبة بعض النواب بذلك) وذلك من أجل حفظ حقوق لبنان عند العمل على ترسيم حدوده الاقتصادية مع غيره من الدول. وهذا أمر جيّد إذ أن الخريطة في حال إقرارها من قِبل ​المجلس النيابي​ يؤخذ بها ولو احتوت على اخطاء غير مقصودة. ونصّت المادة الثانية من القانون على أن خط الأساس للساحل اللبناني هو الخط الذي يبدأ منه قياس عرض المناطق البحرية. يُحدّد خط الأساس للجمهورية اللبنانية باعتماد حدّ أدنى الجَزْر والخطوط الـمستقيمة التي تصل بين نقاط أساس مناسبة بما يتوافق مع أحكام القانون الدولي، اعتباراً من منتصف مصب ​النهر الكبير​ شمالاً وصولاً إلى نقطة انطلاق خط ​الهدنة​ موضوع اتفاقية الهدنة لعام 1949 جنوباً.

كما حدّد القانون ​المياه​ الداخلية وهي المياه الواقعة على الجانب المواجه للبرّ من خط الأساس، والبحر الإقليمي الذي حدّد عرضه بمسافة 12 ميلاً بحريًا مقيسة من خط الأساس، كما حدّد المنطقة المتاخمة وهي التي تقع وراء البحر الاقليمي وتلاصقه وتمتد أربعة وعشرين ميلاً بحريًا مقيسة من خط الأساس إضافة الى الجرف القاري الذي يشمل قاع أرض المساحات المغمورة وباطنها، والتي تمتد إلى ما وراء البحر الاقليمي في جميع أنحاء الامتداد الطبيعي لإقليم ​الجمهورية​ اللبنانية البري حتى مسافة 200 ميلٍ بحريٍ من خط الأساس.

كما عرّف القانون في المادة السادسة المنطقة الاقتصادية للبنان التي تُقاس من خط الأساس وتمتد إلى أقصى الحدود المتاحة، على ألا تتعدى مسافة 200 ميل بحري وتمتد غربًا لتكون حدودها الدنيا في البحر:

1- من الناحية الشمالية الغربية: النقطة الواقعة على المسافة ذاتها من أقرب النقاط على ساحل كل من الجمهورية اللبنانية و​الجمهورية العربية السورية​ وجمهورية قبرص.

2- من الناحية الجنوبية الغربية: النقطة الواقعة على المسافة ذاتها من أقرب النقاط على ساحل كل من الجمهورية اللبنانية وجمهورية قبرص و​فلسطين المحتلة​.

وحدّد القانون، بحسب أبي حيدر، حقوق لبنان وولايته وواجباته في المنطقة الاقتصادية الخالصة وهي:

1-حقوق سيادية لغرض استكشاف الموارد الطبيعية واستغلالها، الحية منها وغير الحية، للمياه التي تعلو قاع البحار ولقاع البحر وباطن أرضه، وحفظ هذه الموارد وإدارتها، وكذلك في ما يتعلق بالأنشطة الأخرى للاستكشاف والاستغلال الإقتصاديين للمنطقة، كإنتاج ​الطاقة​ من المياه والتيارات والرياح.

2- ولاية على الوجه المنصوص عليه في الأحكام ذات الصلة من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار في ما يتعلق بما يلي:

أ- إقامة الجزر الاصطناعية والمنشآت والتركيبات واستعمالها.

ب- البحث العلمي البحري.

ج- حماية ​البيئة​ البحرية والحفاظ عليها.

كما يمكن للبنان ان يمارس في المنطقة الاقتصادية الخالصة، الحقوق والواجبات الأخرى المنصوص عليها في إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وغيرها من الإتفاقات وقواعد القانون الدولي.

وتضمّن القانون أحكامًا متفرّقة تتعلّق بالكابلات وخطوط الأنابيب المغمورة على الجرف القاري والجزر الاصطناعية والمنشآت والتركيبات في المنطقة الاقتصادية الخالصة، وفي الجرف القاري وحق المرور البريء للسفن في البحر الإقليمي وحماية البيئة البحرية والحفاظ عليها والأشياء الأثرية والتاريخية التي يعثر عليها في البحر بالإضافة إلى البحث العلمي البحري.

- في العام نفسه وتحديداً في شهر تشرين الاول صدر مرسوم تحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية برقم 6433، في مادته الأولى عرّف المنطقة الاقتصادية الخالصة على أنها المنطقة التي "تقع وراء البحر الاقليمي وتشمل كامل المنطقة المتاخمة وتمتد باتجاه أعالي البحار مقوسة من خط الأساس استنادًا إلى أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار".

وتمّ تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة للجمهورية اللبنانية بموجب لوائح إحداثيات نقاط بحرية مرفقة بالمرسوم، وذلك من الجهات الجنوبية والغربية والشمالية. واستدرك نصّ المرسوم على إمكان مراجعة حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة وتحسينها وبالتالي تعديل لوائح إحداثياتها عند توافر بيانات أكثر دقّة ووفق الحاجة في ضوء المفاوضات مع دول الجوار المعنيّة. ومن أجل تعزيز موقفه أودع لبنان الأمم المتحدة إحداثيات منطقته الخالصة.

إذاً، هذه الورشة القانونية الداخلية وإقرار معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار (التي لم توقّع عليها إسرائيل) يجب أن تعطي الوفد التقني القوة والدفع من أجل ترسيم حدود بحرية مع إسرائيل تعطي لبنان كامل حقوقه بعيداً عن المزايدات والخلافات السياسية اللبنانية.