اسم الشخص يدل على أن صاحبه موجود، حيًّا كان أم راقدًا، إذ لا يمكن إطلاق اسم على إنسان لم يُخلق بعد. يرافق إعطاء اسم لمولود جديد فرحة كبيرة في العائلة برمّتها. وهناك عادات كثيرة ترافق هذه التسمية. منهم مَن يطلق اسم الجَدّ على الصبي أو الجدّة على الأنثى. ومنهم من يختار أسماء قدّيسين، وآخرون أسماء مشهورين أو أسماء لها دلالة ما.

قديمًا، كان لحدث التسمية احتفالٌ كبيرٌ يجتمع فيه أفراد العائلة ويفرحون معًا. كما توجد طقوسٌ معيّنة تختلف بين شعب وآخر.

نلاحظ مثلًا في الكتاب المقدّس أن ​اليهود​ كانوا يطلقون الاسم على المولود الجديد في اليوم الثامن. هذا حصل مع يسوع مثلًا(لوقا ٢١:٢).

هناك في المجتمعات مَن يدخل في لعبة الأسماء، فيقول إن الاسم يؤثّر في حامله، عدا أن هذا الاسم جميل وهذا على الموضة والخ...

كل هذا قد يكون حسنًا ولكن حتمًا هو ليس الأهم. نقرأ في ​إنجيل​ هذا الأحد كيف عاد السَّبْعُونَ بِفَرَحٍ قَائِلِينَ: «يَا رَبُّ، حَتَّى الشَّيَاطِينُ تَخْضَعُ لَنَا بِاسْمِك. فَقَالَ لَهُمْ: «...لاَ تَفْرَحُوا بِهذَا: أَنَّ الأَرْوَاحَ تَخْضَعُ لَكُمْ، بَلِ افْرَحُوا بِالْحَرِيِّ أَنَّ أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِي السَّمَاوَاتِ»(لوقا ١٧:١٠-٢٠).

هنا بيت القصيد. مَن نحن؟ مَن نكون؟ ما هو هدف خلق ​الإنسان​؟ ولماذا نحن أصلًا موجودون؟.

الله في المسيحيّة تجسّد وأصبح إنسانًا مِن دون أن يفقد شيئًا مِن ألوهيّته. أصبح مثلنا ودعانا جميعنا كلًّا بشخصه، وذلك لأن المسيحيّة ليست دينًا بمعنى الضيّق للكلمة، بل مشروع الله على الأرض لكل البشر.

ويأتي المقطع الإنجيلي أعلاه ليوضح المقصد الإلهيّ للخليقة جمعاء. فالفرح الذي يدعونا الله إليه ليس فرحًا عاديًّا بعمل ما، أو منصب أو مقام أو مركز أو ما شابه، بل هو يدعونا إلى ​الحياة​ الأبديّة، إلى فرحٍ أبديّ سرمديّ ننتقل فيه مِن مجدٍ إلى مجد. وإذا سألنا لماذا، يأتينا الجواب على لسان الربّ: «ثُمَّ بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخًا: «يَا أَبَا الآبُ». إِذًا لَسْتَ بَعْدُ عَبْدًا بَلِ ابْنًا، وَإِنْ كُنْتَ ابْنًا فَوَارِثٌ للهِ بِالْمَسِيحِ»(غلاطية ٦:٤-٧).

كما يؤكّد اختياره لنا: «لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ»(يوحنا ١٥:١٥-١٦).

فمهما اختلفت أسماؤنا البشريّة نبقى كلّنا في العمق نحمل اسمًا واحدًا وهو «أَبْنَاءُ اللهِ بِالإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ يَسُوع» (غلاطية ٢٦:٣). كم هي جميلة هذه الآية.

كما نقرأ في الرسالة ذاتها: «لكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ»(٤:٤-٥).

​​​​​​​

كلمة «التَّبَنِّيَ» في اليونانيّة هي υἱοθεσίαν وتجمع بين «ابن» و«وضع» لتكون «وضع الأبناء»، وهذا مرتبط بالتدبير الخلاصي الذي تمّمه الله لخلاصنا، إذ نقلنا مِن وضع المأسورين بالخطيئة إلى وضع حريّة أبناء الله. وكل مَن يبتعد عن هذه الحريّة يسقط كالشيطان ويصبح عبدًا له.

لهذا عندما طلب أحد التلاميذ مِن الربَ قائلًا: "يَا رَبُّ، عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ"، أجاب: «مَتَى صَلَّيْتُمْ فَقُولُوا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ...»(لوقا ١:١١-٢). وإذا كان لنا جميعًا الأب ذاته، فهذا يعني بأنّنا إخوة وليس واحدنا غريبًا عن الآخر.

هذا ما يريدنا الربّ أن نكون عليه، وما يعاملنا به أصلًا. فنراه نادى الأنبياء بأسمائهم، مثلًا «موسى، موسى، وإرمياء»، وفي العهد الجديد «شاول شاول، ويا كرنيليوس، وبطرس».

يريدنا أن ننظر إلى وجوه بعضنا البعض ونتذكّر أن اسم كلّ واحدٍ منّا موجود عند أبينا في السموات. وقد أعد لنا مكانًا بجانبه مِن قَبلِ إنشاء ​العالم​. هو لا ينسانا ولا يتخلّى عنّا حتى لو نحن تخلّينا عنه. وقد قال لنا بالحرف «هَلْ تَنْسَى الْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا فَلاَ تَرْحَمَ ابْنَ بَطْنِهَا؟ حَتَّى هؤُلاَءِ يَنْسَيْنَ، وَأَنَا لاَ أَنْسَاكِ. هُوَذَا عَلَى كَفَّيَّ نَقَشْتُك»(إشعياء ١٥:٤٩-١٦).

صعود الإنسان نحو السماء حيّر الكثير مِن الفلاسفة وشكّل لهم معضلة وموضع تساؤل، فنرى مثلًا الشاعر والفيلسوف الفرنسيّ شارل بيغي (١٨٧٣-١٩١٤م) يعالج ما كتبه باسكال (١٦٢٣-١٦٦٢م) في «سر يسوع» أن مِن المستحيل على الإنسان أن يصعد، فهو ينزل دائمًا، « Quand il veut monter, il descend, et quand il veut descendre, il descend aussi»، فيقول شارل إن الإنسان ينال القوّة باتّحاده بالمسيحيّة.

جيد هذا الكلام، ولكن لتتّضح الصورة أكثر، فلنتوقّف عند ما تقوله ليتورجيّتنا عن سقوط آدم، إذ ان الربّ نزل يبحث عنه في الجحيم ليرفعه إلى فوق. نعم هذا هو إيماننا، نحن نصعد بقوّة يسوع.

يعلن الكاهن في القدّاس الإلهيّ: «لنرفع قلوبنا إلى فوق». حبّذا لو يرافقنا هذا الإعلان طالما نحن في جسدنا الترابيّ، فيذكّرنا دائمًا أن ننظر إلى فوق لأن مِن فوق أتى إلينا الربّ ليرفعنا إلى فوق، وأنّنا أبناء العلى وليس الأسفل.