لم يتوقع اللبنانيون في يوم من الايام، فقدان الادوية من الشركات والصيدليات، والوقوف في طابور للحصول على علبة دواء او التجوال بحثا عنها، فهي لطالما شكلت تجارة مربحة في ظل الاحتكار حينا وغياب الرقابة الفعلية والمحاسبة حينا آخر، غير ان الازمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة والاهم جائحة "كورونا" وارتفاع اعداد المصابين يوميا، بدلت نمط حياتهم ولم يعد غريبا بعد توالي الأزمات بدءا من احتجاز اموال المودعين في ​المصارف​، مرورا بارتفاع الدولار والاسعار وارتباطا بشحّ المازوت والبنزين والمواد الغذائية وصولا الى الجوع و​الفقر​ المدقع.

وتؤكد مصادر صحّية لـ"النشرة" أن أسباباً عدّة تضافرت لفقدان ​الأدوية​ في الصيدليات وخاصة منها المتعلق بـ"الفيتامينات" والامراض المزمنة مثل "​السكري​ والضغط والقلب" وغيرهم، حيث باتت الشركات تسلمها بـ"العلبة" بعدما كانت بـ"الكرتونة"، اولها: توقع رفع الدعم عنها في نهاية العام والحفاظ على مخزونها على السعر المدعوم، ثانياً تهافت الناس على شراء الادوية خوفاً من ارتفاع اسعارها او فقدانها، وثالثها: ارتباط بعض الادوية بفيروس "كورونا" وتحديداً الفيتامينات "سي" و"دي" و"زنك" التي تقوي جهاز المناعة، ما دفع اصحاب الصيدليات الى تنفيذ ​اضراب​ تحذيري تفاديا للقادم الاسوأ.

ويقول الصيدلي هاني الجردلي لـ"النشرة": "إنّنا نعيش حالة هلع غير مسبوقة في فقدان الادوية، فالوكلاء قلّصوا تسليم الكمّيات وباتت بـ"القطّارة"، مقابل تهافت الناس على شراء الأدوية وتخزينها في البيوت خشية انقطاعها أو ارتفاع أسعارها بعد إعلان النيّة برفع الدعم عنها"، مؤكّداً أنّ "المرضى خائفون على مصيرهم وهم يرون بأمّ العين الدولة عاجزة عن تأمين أبسط المقوّمات في حياة وعلاج كريم".

وقد شكا المرضى من انقطاع الادوية لأسباب غير مبرّرة سوى الاحتكار والجشع والطمع، وكثيرا ما وقعت اشكالات بينهم وبين بعض أصحاب الصيدليات، ووصل الأمر ببعضهم ان علّق لافتات على الواجهات تعتذر من الزبائن عن عدم قدرتها على تلبية طلباتهم من الأدوية بسبب عدم تسليمهم الكمّيات التي يحتاجونها من الشركات الموزّعة، غير أنّهم لم يستوعبوا الامر.ويؤكّد حسن شبلي الذي يعاني من داء مزمن في السكري "ان حياتنا باتت مهددة بالخطر، بحثت عن أدويتي ولم اجدها، لقد اختفت وارتفع أسعارها اضعافا مضاعفة، هؤلاء يعيشون على اوجاع الناس وازماتهم، والدولة غائبة وكأنه لا يكفي ما يعيشه الناس من فقر وبطالة وجوع حتى يتهدد أمنهم الصحي مع كورونا والادوية".

ويؤكّد الصيدلي وسام بعاصيري "مشكلتنا اننا لا نتسلّم كمّيات الأدوية المطلوبة من شركات التوزيع، التي بدورها تواجه مشكلة الحصول على الدولار لتأمين الطلبيات، وبالتالي على المسؤولين حلّ هذه المشكلة وإلّا نحن مقبلون على الأسوأ"، ويضيف: "كل يوم نقع بمشاكل مع المواطنين الذين لا يجدون طلبهم من الأدوية، ولا سيما الأدوية المزمنة وكأننا نتهرّب من بيعها".

وهذه الأزمة، دفعت ​وزارة الصحة العامة​ الى إطلاق حملة لمكافحة الإحتكار بمختلف أشكاله ومقارنة جداول التسليم ما بين الشركات والوكلاء والصيدليات لتحديد الخرق، وحرص الوزير حمد حسن بنفسه على القيام بجولة ميدانية للتأكد من عدم وجود أي تلاعب في ظل أزمة صحية خانقة وجائحة "كورونا".

ويوضح مساعد الصيدلي خضر مصطفى حبلي "ان تفعيل الرقابة قد يساهم في ضبط سوق الادوية، وخاصة مع وجود اقبال غير مسبوق على الأدوية المزمنة وعلى "الفيتامينات" التي تساعد في تقوية جهاز المناعة لمواجهة فيروس "كورونا" علاجا ووقاية، وقد ارتفع اسعارها ثلاثة اضعاف عن السابق بسبب شدة الطلب عليها وغير متوفرة بكميات كبيرة"، ناهيك عن ان المواطنين متخوفون من انقطاع الادوية لذلك يشترونها وبكميات كبيرة، والكثير منهم خزّنها في المنازل لتكفيهم أشهراً عديدة وليس لحاجتهم العادية".

وأزمة الأدوية جاءت لتنذر بالاسوأ واستكمالا لحلقة من سلسلة متواصلة من المعاناة، بدأت باحتجاز اموال المودعين في المصارف، ثم بالغلاء و​ارتفاع الاسعار​ والتلاعب بصرف الدولار، وأجبرت المواطنين على تغيير نمط حياتهم على قاعدة اعتماد الاستغناء تماما عن الضروريّات وما أمكن من الكماليات، و"البديل لا الاصيل"، في وقت شهدت فيه محلات الخياطة اقبالا كثيفا لترقيع الثياب الرثّةبدلا من شراء الجديدة، ومحلات "الاسكافية" لاصلاح الاحذية القديمة وتراجع الاقبال على الفواكه والخضار والمواد الغذائيّة بشكل لافت بسبب الغلاء، حتى قيل انه لم يعد هناك من طعام معروف للفقراء مثلما كان سائدا سابقا لجهة ​البطاطا​ والبيض والفول والحمص والمناقيش والفلافل، كلها باتت مكلفة وينوء الفقير وذوو الدخل المحدد عن حمل أعبائها.