على وقع "الخلاف" المتفاقم بين رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ ورئيس "​التيار الوطني الحر​" الوزير السابق ​جبران باسيل​، ورفضهما "المبادرة" لأيّ تواصلٍ، من أيّ نوعٍ كان، قد يُفسَّر "انكساراً" في مكانٍ ما، تعيش البلاد منذ تأجيل ​الاستشارات النيابية​، والتي كان يفترض أن تأتي بالأول رئيساً مكلّفاً ​تشكيل الحكومة​، من دون "مباركة" الثاني.

ثمّة قناعةٌ لدى شريحةٍ واسعةٍ من المتابعين بأنّ هذا "الخلاف" كان أصلاً سبب التأجيل، بعيداً عن "الأسباب الموجبة" التي مُنِحت له، خصوصاً أنّ باسيل "امتعض" من "تجاهل" الحريري له، وهو رئيس أكبر تكتّلٍ مسيحيّ، في مقابل "لهفته" للتواصل مع غيره، ومنهم رئيس "​الحزب التقدمي الاشتراكي​" ​وليد جنبلاط​ بعد "هجوم ناري" من الأخير عليه.

وإذا كان هناك من اعتقد أنّ تأجيل الاستشارات من شأنه "خلط الأوراق" الحكوميّة بالكامل، وصولاً إلى ترويج "سيناريو" سحب الحريري ترشيحه اعتراضاً، فإنّ الواضح أنّ شيئاً من ذلك لم يحصل، وأنّ كلا الطرفيْن ازداد تمسّكاً بوجهة نظره، بل "صلابةً" في مواجهة الآخر، أياً كانت التبعات ومهما كانت العواقب...

اتصال​ غير وارد!

الأكيد بالنسبة لراصدي العلاقة "الإشكاليّة" بين الحريري وباسيل أنّ رسالة "الواتس آب" التي وجّهها الأول للثاني، من باب الاطمئنان عليه، بعد إعلانه إصابته ب​فيروس كورونا​، لم تنفع في "ترميم" التصدّعات التي نشأت على الخطّ بينهما، منذ ​استقالة الحريري​ "الأحادية"، بعد اختياره "ركوب موجة الشارع" على حساب علاقته مع "العهد"، وفق ما يقول "العونيّون".

لكنّ لمناصري الحريري وجهة نظر أخرى تقول إنّ باسيل تحديداً هو من يضع "العصيّ في دواليب" هذه العلاقة، وهو من تسبّب بـ "فرطها" حين أصرّ على اعتماد ​سياسة​ "النكران" إزاء تحرّكات الشارع، تماماً كما لم يراعِ "خصوصيّة" الحريري في الكثير من الاستحقاقات السابقة، والتي أوقعت رئيس الحكومة السابق في "إحراج" أمام بيئته وشارعه بالدرجة الأولى.

ولعلّ إطلاق مناصري "التيار" معادلة "الحريري وباسيل معاً، داخل الحكومة أو خارجها"، يصبّ في الخانة نفسها، وفقاً لوجهة نظر "المستقبليّين"، الذين لا يزالون يستهجنون هذا "الربط" غير المنطقيّ ولا الواقعيّ برأيهم، خصوصاً ممّن دأبوا على رفع شعار "الأقوى في طائفته"، فإذا بهم "ينقلبون" عليه، وصولاً إلى حدّ وضع رئيس الحكومة في مصاف الوزراء، في وقتٍ يفترض أن يسري عليه ما يسري على رئيسي الجمهورية و​مجلس النواب​.

ومع أنّ الحريري، حين أعلن أنّه "مرشح طبيعي حكماً" ل​رئاسة الحكومة​، أبدى "انفتاحاً" على جميع الفرقاء، وباسيل يفترض أن يكون من بينهم، إلا أنّ المحسوبين عليه يؤكدون أنّه ليس "مُلزَماً" بإجراء اتصالٍ بالرجل، علماً أنّ "الرسائل النارية" التي حملها خطابه في ذكرى الثالث عشر من تشرين الأول، إضافة إلى "رسالة" تأجيل الاستشارات، لم تقدّم أيّ "مقوّمات" لإنجاح أيّ "مبادرة" يمكن أن يقوم بها الحريري في هذا الإطار.

"إيحاء مرفوض"!

من هنا، فإنّ الاتصال الذي كان مُستبعَداً قبل الموعد المحدَّد للاستشارات الأسبوع الماضي، بات "غير وارد" اليوم، وفقاً لما يقوله المقرّبون من الحريري، الذين يلفتون إلى أنّ رئيس الحكومة السابق اختار الردّ على خطوة تأجيل الاستشارات، غير المبرَّرة وفق منطقه، بإقفال كلّ محرّكاته، واعتماد استراتيجية "الصمت المطبق"، رامياً بذلك الكرة في ملعب "العونيّين".

إلا أنّ ما يقوله "الحريريّون" لا يجد أيّ "صدى" لدى "التيار"، الذي تتعمّد أوساطه تكرار ثابتة أنّ الوزير باسيل "لم يطلب أصلاً" من الحريري الاتصال به أو لقاءه، رافضةً أيّ "إيحاءٍ" يحاول البعض الترويج له، وكأنّ "مبادرة" من رئيس الحكومة السابق إزاء قيادة "التيار"، لا تتخطّى "الاتصال الهاتفي" في أحسن الأحوال، من شأنها دفع باسيل إلى تعديل موقفه، وإعلان تأييده للحريري بصورة تلقائيّة.

برأي هؤلاء، فإنّ المشكلة من شقَّيْن، شِقٌّ أول "مبدئيّ" يتعلّق بمحلّ الحريري من الإعراب في حكومةٍ يصرّ على تسميتها بـ"حكومة الاختصاصيّين"، وقد تولّى المكتب السياسي لـ"التيار"، كما باسيل شخصياً، التعبير صراحةً عن هذا الموقف، حين قال إنّ الحريري ليس اختصاصياً أصلاً ليرأس حكومة اختصاصيّين، بل هو سياسيّ من الطراز الأول، وبالتالي عليه أن "يزيح لاختصاصيّ" إذا كان الهدف هو فعلاً تشكيل حكومة من هذا النوع، علماً أنّ هناك في "التيار" من يعترض على "تنصيب" الحريري لنفسه "مشرفاً" على حسن سير المبادرة الفرنسية، من دون أيّ "توكيلٍ" مُعلَنٍ أو مباشرٍ له بهذا المعنى.

أما الشقّ الثاني الذي يتحفّظ عليه "التيار" فهو "ميثاقيّ"، إذ إنّ الحريري بإصراره على "تجاهل" باسيل، فهو لا "يقفز" فقط فوق إرادة تكتّلٍ أساسيّ في المعادلة، بل "يقفز" فوق إرادة أغلبية المسيحيين الرافضين لترشيحه، باعتبار أنّ كتلة "​الجمهورية القوية​" رافضةٌ أيضاً لترشيحه، ما يعني أنّه يكتفي بأصوات نوابٍ لا يملكون "الحيثيّة" المطلوبة برأي هؤلاء، ولو أنّ هناك من يردّ على هذا "المنطق" بالتذكير بأنّ "التيار" سار بتسمية حسّان دياب مثلاً، الذي لم يحز على تأييد أيّ من الكتل السنّية الأساسيّة، مكتفياً بدعم "​اللقاء التشاوري​" الذي لا تزيد "حيثيّته" على تلك التي يمثّلها تيار "المردة" مثلاً مسيحياً.

خلافات ونكايات!

بين الحريري وباسيل، لا يبدو أنّ أحداً بوارد "التنازل" للآخر، حتى لو باتت البلاد "رهينة" اتصالٍ ثنائيّ بينهما، تسبّب بـ"تطيير" موعد الاستشارات النيابية، وقد يتسبّب، حتى في حال حصول التكليف، بـ"تطيير" الحكومة عن بكرة أبيها.

فالحريري يعتبر أنّ اتصاله بالحريري سيشكّل "انكساراً" له، خصوصاً بعدما اعتبر تأجيل الاستشارات، ولو كان "حقاً مشروعاً" للرئيس، محاولة "ضغط" عليه، "كرمى لعيون باسيل"، التي سبق أن جُمّدت حكومات من أجلها أصلاً، في "سيناريو" يبدو أنّه يتكرّر من جديد.

أما باسيل الذي يصرّ على أنّه "لا ينتظر" أيّ اتصالٍ من الحريري، فإنّه لم "يبلع" بعد اتصال الأخير برئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" مقابل "تجاهله المُطلَق" له، الأمر الذي قطع الطريق على أيّ "ليونة أو مرونة" ممكنة من جانبه، كان عبّر عنها في الآونة الأخيرة.

وبين هذا وذاك، تصبح البلاد "أسيرة" خلافٍ ذات طابعٍ شخصيّ، و"رهينة" نكدٍ ونكاياتٍ لا تنتهي، من دون أن يأخذ أحد في الاعتبار الظروف "الكارثيّة" للبلاد التي لم تعد تحتمل مثل هذا "الترف"، ولو أصرّ السياسيّون على تغليب مصالحهم على كلّ شيء، ولو كان "الثمن" سقوط البلد في "الهاوية"!.