في 29 تشرين الأوّل من العام 2019 قدّم رئيس ​الحكومة​ في حينه ​سعد الحريري​ إستقالته، تحت وطأة ضغط ​الحراك الشعبي​ الذي نزل إلى الشوارع إعتبارًا من 17 من الشهر عينه. وبعد سنة كاملة مَهدورة من "عُمر" ​لبنان​ واللبنانيّين، تخلّلها صُعود حُكومة جديدة برئاسة الدُكتور حسّان دياب في 19 أيلول 2019 ثم إستقالتها في 10 آب 2020 بعد كارثة إنفجار ​المرفأ​ في الرابع من الشهر عينه، وكذلك ​تكليف​ الدُكتور مُصطفى أديب في 31 آبمن العام الحالي ثم تنحّيه عن مُهمّة التأليف بعد نحو ثلاثة أسابيع، يُحاول رئيس "تيّار المُستقبل" العودة إلى رأس السُلطة التنفيذيّة، وهو خطى خُطوة مُهمّة نحو هذا الهدف أمس، عبر تكليفه تشكيل الحُكومة–ولوّ بنسبة أصوات مُتواضعة. فهل سينجح الحريري في عُبور مطبّ التشكيل، بعدما نجح في عُبور مطبّ التكليف، وما هي العوائق والتوقعات في هذا الصدد؟.

يُذكر أنّه بمجموع 65 صوتًا، أيّ أقلّ ممّا ناله رئيس الحُكومة المُستقيلة حسّان دياب في الإستشارات النيابية المُلزمة والذي بلغ 69 صوتًا، وأقلّ ممّا ناله رئيس الحُكومة المُكلّف مُصطفى أديب من دون إستكمال مهمّته وهو 66 صوتًا، تمّ تكليف النائب سعد الحريري تشكيل حُكومة جديدة، وهذه نسبة أصوات مُتدنّية نسبيًا، تدلّ على حجم الخلافات والإنقسامات الداخليّة المُتفاقمة، مع ضرورة الإشارة إلى أنّ ثمانية نوّاب كانوا قدّموا إستقالاتهم من المجلس خلال الأسابيع القليلة الماضية،لينخفض العدد الإجمالي للمجلس إلى 120 نائبًا فقط، إضافة إلى أنّ النائب ميشال المرّغاب أيضًا لدواع صحّية، ما يعني أنّ الحريري نال أكثر من نصف عدد نوّاب المجلس بشكل واضح.

وبحسب المَعلومات المُتوفّرة، إنّ التسوية التي أفضت بعودة رئيس "تيّار المُستقبل" إلى رأس السُلطة التنفيذيّة، تتمثّل بمُوافقته على ما كان قد رفضه سابقًا، وما كان رئيس حُكومة ​تصريف الأعمال​ حسان أديب قد وافق عليه، أي أنّ تكون الحُكومة عبارة عن مجموعة من الوزراء الإختصاصيّين وغير الحزبيّين على مُستوى الشكل، لكن على أن تتكوّن ضُمنًا من وزراء مَحسوبين على هذا الطرف أو ذاك. وهنا يكمن كل الموضوع، لأنّ عبارة وزراء إختصاصيّين وغير حزبيّين مطّاطة، حيث أنّ كل الأحزاب والقوى السياسيّة قادرة على تسمية أشخاص تنطبق عليهم هذه الصفات، لكن هؤلاء لن يتمتّعوا عندها بإستقلال القرار. ولا خيار أمام رئيس الحُكومة المُكلّف سوى غضّ الطرف عن هذه الثغرة، إذا كان راغبًا بأن يرأس الحكومة المُقبلة، لأنّ أحدًا من القوى التي سمّته لن يقبل أن يتمّ إنزال أسماء وزراء بالمظلّة لتمثيله على طاولة الحُكومة. أكثر من ذلك، أيّ إستثناء لأي جهة على صعيد منحها حقّ تسمية الوزراء المَحسوبين عليها، سيفتح تلقائيًا الباب على حُكومة مُحاصصة بغضّ النظر عن واجهتها الظاهرة، وعن التسمية التي ستُلصق بها. وعلى رئيس الحُكومة المُكلّف أن يتجاوز أيضًا عقبة أخرى لا تقلّ أهميّة، تتمثّل بضرورة التفاهم مُجدّدًا مع "التيّار الوطني الحُرّ" برئاسة النائب ​جبران باسيل​، لانّ عدم إقدامه على هذا الأمر سيحول حُكمًا دون تفاهمه مع رئيس الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​ على تشكيل الحُكومة، مع العلم أنّه يُوجد تباين أصلاً بين عون والحريري بالنسبة إلى الصلاحيات المُعطاة لكلّ منهما في الدُستور على مُستوى تشكيل الحُكومات.

إذًا، الحريري أمام مُهمّة غير سهلة على الإطلاق خلال المرحلة المُقبلة، بفعل عدم تكليفه هذه المرّة نتيجة تسوية محليّة–إقليميّة مُتكاملة كما حصل مثلاً في العام 2009، عندما نال رقمًا عاليًا جدًا في الإستشارات المُلزمة، ومن ثمّ نال 122 صوتًا-وهو رقم قياسي، خلال التصويت على الثقة على حُكومته في ​مجلس النواب​. فاليوم، الوضع مُختلف تماًمًا، حيث لا تُوجد تسوية محليّة–إقليميّة مُتكاملة، بل إلتقاء مصالح داخلي بين عدد من القوى السياسيّة الرئيسة، مَعطوفًا على ضُغوط دَوليّة وعلى مُبادرة فرنسيّة واعدة. لكنّ الحريري يملك ورقة مهمّة بيده تتمثّل في عدم إمكان عزله بالوسائل الدُستورية، ما يسمح له بالمُناورة والضغط لفترة زمنيّة طويلة، إلا إذا إرتأت القوى السياسيّة الرئيسة التي سمّته، التحرّك ضدّه في الشارع لحمله على التنحّي، وهو خيار مُمكن وسهل التحقيق في ظلّ الإحتقان الشعبي الكبير القائم، نتيجة تدهور الأوضاع المعيشيّة والحياتيّة، وبفعل تمتّع العديد من القوى السياسيّة بالقُدرة على تحريك الشارع.

في الخُلاصة، الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة حاسمةلمعرفة إتجاه الأمور، بدءًا بمعرفة ما إذا كان هناك تباين بين تفسير الحريري من جهة والقوى الرئيسة التي سمّته من جهة أخرى بالنسبة إلى تعبير "حُكومة الإختصاصيّين غير الحزبيّين"، مُرورًا بمعرفة ما إذا كان رئيس الجمهوريّة سيسمح بتجاوز نُفوذ "التيّار الوطني الحُر" في عمليّة تشكيل الحُكومة كما حصل خلال عمليّة التكليف، وُصولاً إلى معرفة حجم الضُغوط الدَوليّة، وخاصة الأميركيّة والفرنسيّة، التي يُنتظر أن تواكب عمليّة التشكيل. وبالتالي، إنّ فرصة نجاح الحريري في تشكيل حكومة جديدة مُوازية حاليًا لإحتمال فشله وتنحّيه عن هذه المهمّة، والمُستقبل القريب كفيل بإيضاح صُورة الإتجاه الذي تسلكه مُحاولات التشكيل.