يتعلق المسؤولون في ​لبنان​ بحبال الهواء، ويحاولون بحنكتهم المعهودة وافكارهم الخلاّقة، ايهام الجميع بأن كل ما يقومون به قانوني ودستوري للمحافظة على الشكل، فيما المضمون قد اصبح في خبر كان. من الامثلة الواضحة والاساسية في هذا السياق، موضوع الاستشارات النّيابية، حيث يصرّ الجميع على احترامها كونها "دستوريّة" ويجب احترام ​الدستور​، وفي هذا الكلام حقّ يراد به باطل. فمن حيث الشكل، لا يمكن نفي هذا الامر، ولكن من حيث المضمون هناك كلام آخر. من المفترض ان تكون ​الاستشارات النيابية​ الملزمة للوقوف على رأي النوّاب في من يعتبرون أنّه الشخص المناسب في فترة محدّدة لترؤّس حكومة جديدة يمكنها التعامل مع المشاكل المطروحة في زمان معيّن، ومن المفترض ان يكون قرار النواب مستقلاً وعائداً لكل واحد منهم، لذلك من المنطقي ألاّ يكون اسم الشخص الذي سيتمّ تكليفه معلوماً لا من قبلهم ولا من قبل اي احد آخر. أمّا ما يحصل في لبنان، فهو العكس تماماً، اذ يصبح معلوماً اسم الشخص الذي ستتم تسميته حتى قبل اجراء الاستشارات، وهو ما يعني عملياً انه من حيث الشكل تمّ احترام الدستور، اما في الاساس فلا احترام لأيّ شيء آخر.

أين احترام الدستور حين تطرح دول اجنبية او اقليمية اسم شخصيّة لبنانية لتولّي ​رئاسة الحكومة​ ويلاقيها النواب بالترحاب (علماً ان ما ينطبق على رئيس الحكومة ينطبق ايضاً على ​انتخابات​ ​رئاسة الجمهورية​ و​رئاسة مجلس النواب​) ويتوجّهون من باب "الصدفة" الى ​قصر بعبدا​ لتسمية الشخصيّة نفسها. واين احترام الدستور حين يتمّ ​الاعلان​ عن عدد الاصوات التي ستحصل عليها الشخصية المسمّاة قبل ان يودع النواب الاسم لدى ​رئيس الجمهورية​، فمن يكون عندها قد سمّى رئيس الحكومة؟ النوّاب ام دول اخرى؟ هل ينص الدستور على وجوب ان تسمّي دولة غربيّة كانت ام عربيّة، صديقة ام شقيقة، الشخصيّة التي ستتولى رئاسة ​السلطة​ التنفيذيّة في لبنان؟ ليس النائب ​سعد الحريري​ وحده المعني بهذا الموضوع، فالامر يصحّ على الفترات التي تولّى فيها ​رئاسة مجلس الوزراء​ سابقاً، وكل من سبقه وسيليه في مراحل لاحقة، لاننا على يقين ان شيئاً لن يتغيّر في هذا المجال، مع الاسف.

اين احترام الدستور حين يتم اتهام رئيس الجمهورية المؤتمن عليه بمخالفته؟ وحين يتهم الرئيس نفسه الطبقة السياسية بالوقوف ضدّ بنود الدستور وضدّ العمل على استقلاليّة لبنان السياسية والمالية والقضائية والاقتصادية والغذائية؟ واين احترام الدستور حين "يُتخَم" التاريخ بملفّات ووثائق وسجلاّت ​حافلة​ بارتكابات وإدانات للعديد من الأسماء العاملة في الحقلين العام والخاص، فتسقط كأوراق الشجر ويلبس مرتكبوها ثوب العفة والنزاهة ويتنزهون بافتخار في ارجاء الوطن وخارجه، لا بل ينصّبون انفسهم "ثوابت" لبنان والعالمين على انقاذه من المآسي التي اغرقوه فيه بأنفسهم؟.

اين يكون احترام الدستور حين يسمّي النواب بملء إرادتهم شخصية معيّنة ل​تشكيل الحكومة​، ويعملون بعدها "بالجملة والمفرق" على وضع العصي في دواليب تأليفها، او في ​مسيرة​ تنفيذ البنود التي تضعها اذا ابصرت النور؟ اليسوا هم من اوكلوا المهمة الى الشخصيّة المذكورة، فعلى أي أساس فعلوا ذلك اذا لم يجدوا في هذه الشخصية ما يرضيهم او يرضي من انتخبوهم، او ما يمنحهم السبب الكافي لوضع الثقة بهذه الشخصية وقدرتها على مواجهة الصعوبات التي تفرضها مرحلة معيّنة من ​تاريخ لبنان​؟.

فليسمح لنا الجميع، ليس بهذه الطريقة يتم احترام الدستور، وليكفّوا بعد اليوم عن الصراخ والتهديد والوعيد اذا لم يتمّ احترامه، فهم المسؤولون عن خرقه في كل لحظة وزمان ومكان، وفي كل موضوع وملفّ ومشروع وتعيين، ولا يستفيدون منه سوى كورقة تين لستر عورتهم.