على وقع المشاورات القائمة لتأليف الحكومة العتيدة، عاد الحديث حول الجهة التي من المفترض بها تسمية الوزراء، نظراً إلى أن العديد من الكتل النيابية لن تقبل بإبعادها كلياً عن هذه المهمة، مقابل حصر المسألة بكل من رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​ ورئيس الجمهورية ​ميشال عون​. لكن اللافت هو عودة بعضها إلى الإعلان صراحة عن رغبتها في حجز حصة لها، في مؤشر إلى أن البلاد أمام حكومة سياسية لكن القوى المشاركة فيها ستذهب إلى إختيار إختصاصيين.

هذا الواقع، سيعيد إلى الأذهان مشهد تهديد بعض القوى السياسية، في حكومة ​تصريف الأعمال​ الحالية، بسحب ممثليها من الحكومة، عند حصول أيّ خلاف في وجهات النظر، بالرغم من أنّها عند التأليف كانت قد تحدثت عن أنها غير ممثلة بشكل مباشر، أو أن الحكومة مؤلفة من اختصاصيين غير حزبيين. إلا أن الواقع في الحكومة المقبلة من المرجح أن يكون أكثر وضوحاً، فهل باتت القوى التي ستشارك فيها قادرة على تجاوز المعارضة السياسية والشارع؟.

من حيث المبدأ، هناك العديد من العوامل التي ساهمت في دفع بعض القوى إلى الإعلان صراحة عما تريده في الحكومة، أبرزها ضعف الشارع نتيجة الخلافات التي تعصف بمجموعات ​الحراك الشعبي​ التي فشلت في الإتفاق على برنامج عمل موحد، بالإضافة إلى تراجع القوى التي تمثل المعارضة السياسية، حيث أنها باتت تقتصر على حزب "القوّات اللبنانية" بينما في حكومة تصريف الأعمال كان هناك "​الحزب التقدمي الإشتراكي​" و"​تيار المستقبل​".

بعد إستقالة الحريري، في شهر تشرين الأول الماضي، نجح الشارع في إسقاط بعض الأسماء التي كانت مرشحة لرئاسة الحكومة، أبرزها كان الوزير السابق محمد الصفدي الذي وجد معارضة شرسة، بينما اليوم ليس هناك من يعترض على عودة رئيس الحكومة المكلف، وبالتالي شعرت القوى السياسية بإمكانية العودة إلى الطروحات الماضية، ولو كان ذلك بخجل أو بطريقة غير مباشرة.

وفي حين هناك مجموعة من المعطيات الإيجابية التي توحي بإمكانيّة ولادة الحكومة في وقت قريب، البعض يتحدث عن اسبوعين كحدّ أقصى، لا يبدو أنّ القوى السياسية ستكون قادرة على الإستمرار في النهج الماضي بالعمل، على الأقل بعد تشكيل الحكومة، وإلا ستكون في طور الدخول في مغامرة غير محسوبة النتائج.

في هذا الإطار، الجميع بات يدرك أن الحكومة لن تحصل على أيّ مساعدات دوليّة في حال لم تذهب إلى تطبيق إصلاحات محدّدة مسبقاً، وبالتالي لا يمكن لها أن تتجاوز هذا المعطى بأي شكل من الإشكال، نظراً إلى أنّ غياب المساعدات يعني الإستمرار في المسار الإنحداري، مالياً وإقتصادياً وإجتماعياً، الأمر الذي سيدفعها إلى التضامن في ما بينها، على إعتبار أنّها قد تكون مضطرة إلى الذهاب إلى خيارات غير شعبيّة، إنطلاقاً من الشروط التي سيفرضها صندوق النقد الدولي.

بالتزامن، تدرك القوى، التي إختارت أن تكون مشاركة في الحكومة، أنّ المنطقة ستكون في الأشهر المقبلة على موعد مع مجموعة من التحوّلات، من تداعيات الإنتخابات الرئاسيّة الأميركيّة إلى الإنتخابات الرئاسيّة الإيرانيّة وصولاً إلى الإنتخابات الرئاسيّة السوريّة، من دون تجاهل المسار التطبيعي الذي يسيطر على مسار العلاقات بين بعض الدول العربيّة وإسرائيل، بالإضافة إلى الصراع القائم على الطاقة في شرق البحر المتوسط.

هذا الواقع سيكون له تداعيات على الأفرقاء الذين إختاروا أن يكونوا في مركب واحد، بعيداً عن حديث رئيس الحكومة المكلف عن أنّ عمر الحكومة 6 أشهر فقط، خصوصاً أنّ التسوية الحالية لا تحظى بحاضنة إقليميّة أو دوليّة قويّة، ولا بغطاء شعبي كبير نتيجة التصدّعات التي تعرضت لها مختلف الأحزاب والتيّارات في الأشهر الماضية، وبالتالي سيكون عليها أن تدرس جيداً أيّ خطوة قد تُقدم عليها، كي لا تقدّم الأسباب الموجبة لموجة جديدة من التحركات الشعبيّة، على الأرجح ستكون أكبر من التي شهدتها البلاد في العام الماضي.

في المحصّلة، القوى التي ستنضمّ إلى حكومة الحريري المقبلة لن تكون أمام مهمّة سهلة على الإطلاق، نظراً إلى أنها لم تواجه، في الماضي، ظروفا شبيهة بتلك القائمة حالياً، الأمر الذي يفرض عليها تعاملاً جديداً مع الأحداث، كي لا تقع في المحظور الذي سيكون له تداعيات كبيرة عليها وعلى البلاد.