بالرغم من الستار السميك من الكتمان الذي يحيط باللقاءات والمشاورات التي تجري بحثاً عن توليفة حكومية تخرج هذا الاستحقاق من عنق الزجاجة الذي علق فيه منذ ان استقال الرئيس ​حسان دياب​، قبل أشهر من الآن، الا ان ما يرشح من معطيات سياسية يوحي بأن مسار هذه المشاورات واللقاءات يسير بالاتجاه الإيجابي بما يدفع إلى القول بأن رحلة الرئيس ​الحريري​ في التفتيش عن صيغة حكومية تحاكي الواقع ال​لبنان​ي المستجد، وتتماهى مع المطالب الدولية لن تطول، بحيث ان الحريري الذي يعمل على قاعدة «واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان» قد تمكن من قطع أكثر من نصف طريق التأليف، وأن ما تبقى من النصف الثاني ما زال يحتاج إلى بعض العمل لتذليل العقبات التي تحول إلى الآن دون إتمام مهمته.

ومن خلال رصد بعض التسريبات الخجولة حول ما يجري في الغرفة المغلقة وفي ​الاتصالات​ التي تجري بعيداً عن الأضواء، يلاحظ ان الحديث وصل إلى التفاصيل المتعلقة بعدد الوزراء وتوزيع الحقائب والمعايير التي ستحكم شكل ​الحكومة​ التي على ما يبدو ستكون تكنوسياسية، وان العمل ينكب الآن على معالجة العقدة ​المسيحية​ بحيث ان هناك مخاوف من بروز تعقيدات إن رست الأمور على ان يسمي ​الرئيس ميشال عون​ دون سواه الوزراء المسيحيين وهذا إن حصل سيشكل نوعاً من الاحراج لدى الرئيس المكلف الذي لن يدير ظهره لباقي الأفرقاء المسيحيين خصوصاً الذين سموه في ​الاستشارات النيابية​ الملزمة، أي «تيار ​المردة​» و​الحزب السوري القومي الاجتماعي​، حيث يقال ان الحريري أخذ وعداً على نفسه بأن يكون هناك وزير للمردة وآخر لـ«القومي» في أية حكومة يرأسها.

وبحسب المعلومات فإن اليومين المقبلين سيشهدا ارتفاعاً في منسوب الحراك المتعلق بالتأليف، وقد ذهب البعض من المتابعين لمسار هذا الحراك إلى التوقع بإمكانية ان نشهد ولادة الحكومة مع نهاية هذا الأسبوع، أو في بحر الأسبوع الطالع، في حال لم تطل برأسها شياطين التفاصيل وتفرمل الاندفاعة القوية الحاصلة باتجاه التأليف.

نصائح دولية للسرعة في التأليف.. والرهان على ​الانتخابات​ الأميركية رهان خاطئ..

ويهزأ هؤلاء من ربط بعض السياسيين الاستحقاق الحكومي في لبنان ب​الانتخابات الأميركية​ التي ستحصل في الثالث من الشهر المقبل، مؤكدين بأن ​السياسة​ الأميركية الخارجية لا يمكن ان تتغير مع تغيير الأشخاص وإن كان من الممكن ان يطرأ عليها بعض التعديلات التي لا تؤثر على المصالح الأميركية في أي منطقة من ​العالم​، وبالتالي فإن نتائج هذه الانتخابات لن تُعزّز أوراق هذا الفريق في لبنان أو تضعف الفريق الآخر، وهذا ما يدركه الرئيس الحريري الذي يعي تماماً خطورة إطالة الوقت في ​تأليف الحكومة​ ويعمل على أن تكون اليوم قبل الغد.

وفي تقدير أوساط سياسية فإن ما تبقى من أيام في هذا الأسبوع تكتسب الطابع المفصلي، حيث ان هناك توجهاً جامعاً بضرورة الإسراع في تأليف الحكومة وتجنب الوقوع مجدداً في غياهب الوقت المفتوح، حيث ان الأوضاع في لبنان من مختلف جوانبها لم تعد تحتمل المزيد من المناورات واللعب على حبال الوقت، كما ان المناخات الدولية تنحاز إلى جانب السرعة في إيجاد حكومة مكتملة الاوصاف تكون قادرة على الولوج في عملية الإصلاح التي بدورها ستشرع الأبواب الدولية امام تقديم المساعدات التي يحتاجها لبنان لوقف الانهيار الحاصل على المستويين الاقتصادي والمالي.

وترى هذه الأوساط ان الحائل الوحيد الذي ما زال يعيق تأليف الحكومة هو العقدة المسيحية التي يعمل الرئيس المكلف على حلها من خلال التفاوض المباشر مع ​رئيس الجمهورية​، بعد ان اقفل الأبواب بالكامل امام أي إمكانية للجلوس المباشر مع رئيس «التيار الوطني الحر» ​جبران باسيل​ على غرار ما كان يحصل في الحقبات الماضية عند تأليف الحكومة.

وتقول الأوساط ذاتها ان الاتجاه السائد هو ان تكون الحكومة مؤلفة من 20 وزيراً، وان الرئيس المكلف بات يملك شبه تُصوّر كامل عمّا ستكون عليه حكومته لناحية العدد وتوزيع الحقائب، مشيرة إلى ان الرئيس ​نبيه برّي​ يلعب دوراً محورياً وهاماً في مسألة تأمين المرونة المطلوبة من قبل كافة الأطراف في ما خص الحصص، حيث ان المالية باتت محسومة من حصة «أمل»، وكذلك الاتصالات من حصة «المستقبل»، فيما ​الحزب التقدمي الاشتراكي​ ما زال يفاوض على ​وزارة الصحة​ التي يأمل «حزب الله» ان تبقى من حصته.

ولم تستبعد الأوساط السياسية ان تكون المسودة الأولى وربما تكون الأخيرة للحكومة جاهزة في غضون الأيام القليلة المقبلة، وان الرئيس المكلف ربما يصعد مع نهاية الأسبوع إلى ​قصر بعبدا​ لعرضها على رئيس الجمهورية ما لم تظهر أي عقبات غير موضوعة في الحسبان.

وتكشف الأوساط السياسية عن نصائح دولية وخاصة فرنسية تبلغها الرئيس الحريري بضرورة الإسراع في تأليف حكومته التي تعتبر الفرصة الأخيرة لإنقاذ الوضع اللبناني من دون ان تحدد أية معايير مطلوبة لهذه الحكومة، في دلالة واضحة على ان ما يهم ​المجتمع الدولي​ هو وجود حكومة تستطيع ان تُلبّي طموحات الداخل من خلال استقرار اجتماعي، وكذلك تُلبّي رغبات الخارج في اتخاذ القرارات الإصلاحية التي تفتح الطريق امام المساعدات الدولية.

وتعتبر الأوساط ان رهان أي فريق لبناني على استحقاقات خارجية لا سيما الانتخابات الأميركية هو رهان خاطئ خصوصاً ان الوضع اللبناني لم يعد في مقدوره ان يتحمل مثل هكذا رهانات غير مضمونة النتائج.