في الوقت الذي ينشغل فيه ​العالم​ بحادثة قطع رأس المدرّس الفرنسي على يد أحد طلابه بعد ان عرض صوراً كاريكاتورية مسيئة للديانة الإسلامية، وبعد ان ندّد العالم بأسره بذبح المدرّس الذي كان بالإمكان مواجهته بحوار يثنيه عن فعلته وينتهي بإعتذار أو بغرامة او سجن مؤقت، تُعرض في ​نيويورك​ لوحات لرسّامة من أصل برازيلي هي ماغي دا سيلفا، تُظهر فيها فناً مسيئاً للايقونات البيزنطية، التي لها إكرام كبير لدى المسيحيين، حيث ترسم فيها شبيهاً "مسخاً" للسيد المسيح بثياب الكهنوت، وهو يحمل بيسراه "محارم للحمام" وبيمناه زجاجة مسيلة للأوساخ، وفي لوحة أخرى تُعرض للبيع بـ2500 ​دولار​، ترسم دا سيلفا شبيهاً "مسخاً"للمسيح أيضًا وهو جالس على عرشٍ بيزنطي حجري، محفور عليه ضفدع، ويلبس الثوب الليتورجي مطرزاً بكلمة ايقونيّة يونانيّة من ثقافة الكنيسة البيزنطية او آراميّة، بشكل مسيء للمسيحيّة والقدّيسين والمقدسات.

يلفت الزائر الى هذا المعرض المقام في بروكلين-نيويورك انّ منظمّيه اعتبروا لوحات دا سيلفا هي الأجمل، فعرضوها عند المدخل الرئيسي... لا يستغرب المرء ايضاً عرض لوحات فنّية كهذه في مدينة تقدّس الفن، وتدعم كل فناني العالم، المدينة التي انطلق منها المبدعون، والتي هي روح ​اميركا​، القارة التي تحمي ​حرية التعبير​... انما، عندما تبدأ حرية التعبير بالمسّ برموز ​الديانات​ السماويّة، تموت الأخلاق البشرية وينتهي الإحترام.

منذ القدم، تقوم بعض المجتمعات، مدعومة بمجموعات باطنية، بنشر السخريّة من الأنبياء والرموز ​الدين​ية. ويعتبر الفنّانون التشكيليّون انهم ينجزون نوعاً من الإبداع الفني، من خلال أفكارهم الخارجة عن المألوف. البعض منهم حاز على شهرة واسعة، وحصد ​المال​ الوفير، ولكن البعض الآخر، سقط في مستنقع السخرية وانتهى في الأقبية مع لوحاته.

من الواضح، ان الرسّامة دا سيلفا ستبقى مغمورة حتى نشر هذه السطور. وهي ربما لا تعلم انها أساءت الى الذي غيّر حياة البشرية، ولا تعلم ان إبداعها يسيء الى شعور مليارات المسيحيين حول العالم ويهين كرامتهم. المؤسف انّهاتنتمي مسيحيّة أقلّه بالظاهر، ولكن هذا -حتى ولو كانت من ديانة أخرى- لا يخوّلها المسّ بمقدسات الآخرين، حتى لا تنتهي ​الفنون​ عند عتبة التجريح والإجرام وقيادة المجتمعات التي تعاني اليوم من أزمة رغيف وبطالة الى انفعال جماهيري عالمي أممي قد يصل الى تنفيذ عمليات إرهابيّة تبرَّر على أنها ردّ فعل مشين لعمل مشين في الأصل.

وفي نظرة سريعة الى التاريخ عبر العصور، نجد ان شعوب العالم تقاتلت بإسم الدين، وشُنّت الحروب والغزوات من أجل سلطان وملك، وقتل مئات الملايين دفاعاً عن أنبياء ورُسل، جاؤوا لتكملة ما بدأه السيّد المسيح ب​السلام​ و​المحبة​.

ويأسف كثيرون كيف ان الشعوب التي تقرأ التاريخ لم تأخذ العِبَر من أحداثه، والأسف الأكبر كيف ان الدول، وخاصة تلك التي تدّعي ​العدل​، لم تصدر قوانين تقاضي المسيئين للأديان السماوية ورموزها، وخاصة في البلدان التي تختلط فيها الثقافات و​الطوائف​.

ان موقفا للرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​ اليوم في موضوع الدفاع عن حريّة التعبير والإستنكار لجريمة القتل، لن يؤدي الا الى تأجيج المواقف وربما نشهد (لا سمح الله) أعمالا تخريبيّة إرهابيّة على المساحات الأوروبيّةكتلك التي حصلت بعد نشر رسوم صحيفة ​شارلي إيبدو​ عام 2015.

ويبرر البعض ان ​اوروبا​ واميركا الحاضنتين للثقافات المتنوعة، تسمحان بانتهاك المقدّسات لكونهما رحبتا ب​المهاجرين​، وأطعمتهم في وقت لفظتهم حكوماتهم دون اهتمام، ولكن هذا البعض لم ينتبه الى ان قسما كبيرا من المهاجرين ساهموا عبر السنين في نجاح وتنمية هذه البلدان. فلا يجب ان تعيش حريّة التعبير على حساب السخريّة من الله والأنبياء والمقدّسات، ويجب التفريق بين من خلَعَ رداء الدين ليلبس ثوب ​العلمانية​، "فهنا الحقّ والحرية"... وبين من طلّق ديانته لينقلب عليها او على الديانات الأخرى منتهكاً حقوق وحرية من يعيشها في مجتمعه بسلام مع نفسه.

حادثة ذبح المدرّس الفرنسي لم تكن الأولى من نوعها، ولن تبقى الرسامة دا سيلفا وحيدة في فنّها، إنّما الخوف من ردّ الناس على هذه الإساءات، فالبعض الذي يعتبر ان الرب سيغفر "للذين لا يدرون ماذا يفعلون"، سيردّ آخرون بوسائلهم الخاصة، لتبقى الحكومات هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن وضع ضوابط لحريّة التعبير وحاجزا منيعا امام المسيئين لله والأنبياء، حتى لا تنجرّ الشعوب الى حروب ومآسٍ أساسها لوحَة او رسمة كاريكاتوريّة.