لم يكتب لعهد ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ ان يكون كما اراده هو اولاً، وال​لبنان​يون ثانياً، لاسباب كثيرة وعديدة منها ما يتحمل هو شخصياً جزء منه، ومنها ما يرتبط بأطماع واداء الطبقة السياسية اللبنانية، ومنها ما يصب مباشرة بالتدخلات الخارجية التي تحكم الوضع في لبنان، اضافة الى المصائب غير المتوقعة والتي جسدها وباء ​كورونا​ العالمي.

لم يعد سراً ان الانجازات التي كان يعوّل عليها عون لترتبط بعهده، سقطت الواحدة تلو الاخرى، وما لم يسقط منها، تعرّض للمنافسة الشرسة والقاسية للسيطرة عليه ونزع الصفة العونيّة عنه، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مسألة ​التنقيب​ عن ​النفط والغاز​ وما يرتبط بهما. ومع انسياب المواضيع السّياسية والمشاريع الاقتصاديّة والملفّات القضائيّة والماليّة من بين يديه، لم يعد امام رئيس الجمهورية سوى التمسّك بعاملين فقط لانقاذ اسمه كرئيس للجمهورية: أكاديمية ​الانسان​ للتلاقي والحوار وقد تم اقرارها وسيتأخر حتماً انشاؤها بسبب الظروف التي يمر بها لبنان والمنطقة، ومسألة اعادة ​النازحين السوريين​ الى بلدهم. في العامل الاول، ليس هناك الكثير ليبنى عليه، فالاكاديمية لن تبصر النور وتنطلق بزخمها المرجوّ الا بعد نهاية العهد على الاقل، وبالتالي فإنّ ما يمكن قطفه من ثمارها خلال السنتين المقبلتين قد تمّ بالفعل من خلال اقرارها في تصويت للامم المتحدة.

اما موضوع النازحين فأمر آخر، لانّه لا ينحصر بزمان معيّن، فخطره يبقى طالما بقي ينبض ب​الحياة​، ولمن يشكك في هذا الامر ما عليه سوى التعلّم من التجربة الفلسطينية في هذا المجال، علماً ان مشاكل التواجد الفلسطيني في لبنان، اقل من تلك التي ترافق النازحين لانّ ​الفلسطينيين​ يتواجدون بغالبيتهم الساحقة في مخيّمات، بغضّ النظر عن تحويلها الى ملاذ لهم واماكن خارج سلطة ونفوذ الامن اللبناني، الا انّها محددة ومعروفة. اما تواجد النازحين السوريين فلا تحدّه مساحة جغرافيّة اذ انهم ينتشرون على كامل الاراضي اللبنانيّة وفي كافة المناطق، وبالتالي فإن مشكلتهم كبيرة ويجب حلّها. يعوّل عون على التحرك الروسي في هذا المجال، لانهم المعنيون الأوائل في اي مشروع يتضمن عودة السوريين الى بلادهم، فهم يمسكون بالدفة في ​سوريا​ عبر وجودهم السياسي والدبلوماسي، والاهم العسكري، ما يعني ان اي خطة تلحظ عودة النازحين لا يمكن ان تمر من دون موافقتهم او رضاهم. ولكن المشكلة الاكبر تكمن في عدم قدرة الروس على حل الموضوع بمفردهم، وهم يعوّلون على تحرك اميركي-اوروبي في هذا المجال، فيما تشير الوقائع الى عدم وجود حماس لدى هذين الطرفين في استعجال العودة، نظراً الى ان مصالحهما تفرض بقاء النازحين في اماكنهم لاستثمارهم في اوقات اخرى في ​المستقبل​، تماماً كما حصل مع الفلسطينيين، وبالتالي فإنّ هذه العودة تبدو بعيدة المنال في المدى المنظور، وهو امر لا يناسب عون بطبيعة الحال لان الوقت يسير ضده، وليس هناك ما يمكن ان يعوّض عن هذا الانجاز لانه سيكون بالفعل احد الاعمدة الاساسية لانقاذ لبنان وهويته ومستقبله، والا فسيكون هذا البلد وسكانه امام واقع مرير يثقل عليهم لعقود من الزمن، حتى لو اصطلحت امورهم الاقتصادية والمالية.

قد تكون عودة النازحين خرطوشة عون الاخيرة لانقاذ عهده، ولكن الكثيرون يعتبرون ان الامور لن تسير وفق ما يشتهيه رئيس الجمهورية، لان السهولة التي دخل بها السوريون الى لبنان لن تكون نفسها في محاولة اعادتهم الى بلادهم، وعلى عون البحث عن ملفّ او موضوع آخر من شأنه ان يُكتب له النجاح كي يصبح متلازماً مع الولاية الرئاسيّة التي قضاها في ​قصر بعبدا​ والتي تنتهي بعد سنتين.