استُؤنفت الأَحد الماضي في الخُرطوم، المُحادثات بين السّودان ومصر وإِثيوبيا في شأن سدّ النّهضة الّذي تبنيه إِديس أَبابا على النّيل، وتعترض ​القاهرة​ والخُرطوم على آليّات تشغيله. وتُعقد هذه المُفاوضات عبر تقنيّة "الفيديو كونفرنس"، وتستمر أُسبوعًا، بحسب ما أَعلن على "​تويتر​" وزير الرّيّ الإثيوبيّ. ويُثير هذا السّدّ الّذي سيُستخدم في توليد ​الكهرباء​، خلافاتٍ وبخاصّةٍ مع مصر ذات المئة مليون نسمة، والّتي تعتمد على نهر النّيل لتوفير 97 في المئة من احتياجاتها من ​المياه​. وترغب مصر والسّودان، وهُما دولتا المصبّ لنهر النّيل، في التّوصُّل إِلى اتفاقٍ مُلزمٍ في شأن تشغيل السّدّ وهو ما لم تُوافق عليه إِثيوبيا. وقد ازدادت التّوتُّرات بين القاهرة وإِديس أَبابا الصّيف الماضي، عندما تقدّمت مصر بشكوى إِلى مجلس الأَمن الدّوليّ.

وتعثّرت المُفاوضات حتّى اللحظة، في إِيجاد تفاهُماتٍ تُرضي كُلّ الأَفرقاء، ما يُنذر بنُشوب نزاعٍ لا تُعرف مآلاته... وكان الرّئيس المصريّ الرّاحل محمّد أَنور السّادات حذّر في العام 1979، بأَنّ "الطّريقة الوحيدة الَّتي يُمكن لمصر إِعادة الانخراط في الحرب هي المياه". وتصطدم المُفاوضات أَساسًا بالخلاف على مُدّة ملء السّدّ، وهو موضوع ازداد إِلحاحًا بعد ما أَعلنت إِثيوبيا في 21 تمّوز الماضي، أَنّها حقّقت نسبة الملء الّتي تستهدفها في العام الأَوّل.

وقد حاول الاتّحاد الإِفريقيّ، عبر دولة جنوب إِفيرقيا الرّئيسة الحاليّة للاتّحاد، تسوية النّزاع القائم بين الدُّول الثّلاث، مِن خلال اجتماعٍ دعا إِليه الثّلاثاء 27 تشرين الأَوّل 2020، على أن يُشارك فيه وزراء خارجيّة السّودان ومصر وإِثيوبيا، للبحث في سُبل استئناف المفاوضات المُتوقّفة، في شأن سدّ النّهضة، مُنذُ أَكثر مِن شهرين اثنَين. وكانت المُفاوضات توقّفت منذ آب 2020 بين الدّول الثّلاث، في شأن السّد الّذي تبنيه ​إثيوبيا​ على النّيل الأزرق، ويثير مخاوف في مصر والسّودان في شأن حصّتيهما من مياه النّيل. وقد عُلّقت المُفاوضات تحديدًا، جرّاء خلافات على آليّة تعبئة السّدّ الّذي بدأَت إِثيوبيا ببنائه مُنذُ 2011، ويُتوقّع أَن يُصبح أَكبر مُنشأَةٍ لتوليد الطّاقة الكهربائيّة من المياه في إِفريقيا.

ومُنذُ 2011، تتفاوض الدُّول الثّلاث، للوصول إِلى اتّفاقٍ على ملء السّدّ وتشغيله، لكنّها أَخفقت في الوصول إِلى هذا الاتّفاقٍ حتّى الآن!. ويُؤمل في أَن تُركّز المُفاوضات هذه المرّة، على منح دورٍ أَكبر وأَكثر فعاليّةً للخُبراء والمُراقبين.

وتُشارك الولايات المُتّحدة والاتّحاد الأُوروبيّ والبنك الدّوليّ وصندوق النّقد الدّوليّ، إِضافةً إِلى الاتّحاد الإِفريقيّ، في المُفاوضات منذ مطلع العام 2020، مِن خلال خُبراء ومُراقبين. وقد فشلت مُحاولة ​واشنطن​ التّوسُّط في اتفاقٍ لحلّ مُشكلة السّد في وقتٍ سابقٍ من 2020، بعدما اتّهمت إِثيوبيا إِدارة الرّئيس ​ترامب​ بدعم مصر، فيما أَعلنت الولايات المُتّحدة في أَيلول الماضي أَنّها علّقت جزءًا مِن مُساعداتها الماليّة لإِثيوبيا، ردًّا على قرار أَديس أَبابا البدء بملء سدّ النّهضة قبل التّوصُّل إِلى اتّفاقٍ مع مصر والسّودان.

وقد تفاقمت التّوتُّرات القائمة بين دول حوض النّيل بسبب سدّ النّهضة على النّيل الأَزرق. وبينما تخشى مصر تناقُصًا ملحوظًا سيلحق بحصّتها مِن ماء النّهر، فهي تبدو غير قادرةٍ على مُواجهة مشروع أَديس أَبابا، الّذي يحظى -على ما يبدو- بمُساندة السُّودان. كما وأَنّ مقولة "مصر هبة النّيل" لم تشفع بأَرض الفراعنة في هذا المجال، إِذ يبدو أَنّ التّدبير الإِثيوبيّ قد تجاوز المقولة التّاريخيّة الّتي أَطلقها المُؤَرّخ والرحّالة الكبير هيرودوتوس، مُنذ القرن الخامس قبل ​الميلاد​... كما ولا نفع للقصيدة الّتي كتبها في القرن الأَوّل قبل الميلاد، الشّاعر الرّوماني تيبولوس وقد قال فيها عن النّيل: "الأَرض الّتي ترويها لا تطالب السّماء بالماء، والعشب الّذي جفّ لا يتضرّع إلى جوبيتير ليُوزّع مياه الأَمطار". ونستند إِلى هذه الاستشهادات بهدف الوصول إِلى خُلاصةٍ مفادُها أَنّ عامل الحقّ التّاريخيّ لا يُصرف في الصّراع على المياه في القرن الحادي وعشرين. وأَمّا النّعمة الّتي تروي مصر مُنذُ آلاف السّنين فقد باتت اليوم مُهدّدة اليوم!...

وفي القاهرة يُجمع خُبراء ومسؤولون ومُفكّرون، وديبلوماسيّون على أَنّ "المعركة الّتي تخوضُها مصر لتبقى مُسيطرةً على أَطول نهرٍ في ​العالم​، معركةٌ مُتعثّرةٌ مُنذُ البداية". فلمّا ينتهي العمل ببناء سدّ النّهضة العملاق، ستُصبح لإِثيوبيا اليد العُليا في قرار تدفُّق المياه. وقد اعترف مسؤُولٌ مصريٌّ للمجلّة المرجعيّة "أُورينتكسي": "لقد خسرنا. لم نستطع أَن نحُول دون تشييد السّدّ، ولم نتمكن من تحصيل التّعديلات على المشروع، وبخاصّةٍ في ما يتعلّق بخفض سعة تخزينه. وأَملنا الوحيد والضّعيف، هو أَن تتمّ تعبئة بُحيرة السّد على فترةٍ زمنيّةٍ تتجاوز الثّلاث سنوات الّتي أَعلنت عنها أَديس أبابا". وأَمّا إِذا حدث العكس، فإِنّ مصر ستكون مُهدّدةً بنقصٍ شديدٍ في حصّتها المائيّة، ورُبّما بدءًا من العام 2021. وفي ذلك استنهاضٌ للهواجس المصريّة حيال قصّة الملك الإِثيوبيّ دويت الثّاني الّذي هدّد سلاطنة المماليك في مطلع القرن الخامس عشر بحجز مياه النّيل عنهم...