في ​لبنان​ قصّة الميليارات المهرّبة الى الخارج هي "الشعرة التي قصمت ظهرت البعير"، ودهورت الوضع بسرعة جنونيّة، ودفعته نحو الإنهيار ورفع سعر صرف ​الدولار​، وهي اليوم النقطة الفاصلة بين عودة الإستقرار والإستمرار في التدهور... على ​الدولة اللبنانية​ بمختلف وزاراتها وأجهزتها العمل لإستعادة هذه الأموال ولو أن الدور الأساس هو لهيئة ال​تحقيق​ الخاصة في ​مصرف لبنان​ و​النيابة العامة التمييزية​.

أساليب تبييض الأموال

يُدرك من يقوم بعملية تبييض الأموال أو دفع الرشاوى سواء كان يعمل في ​السياسة​ أو يتعاطى الإدارة العامة أو بين فريق المتعهّدين الذين ينالون دائما شرف تنفيذ مشاريع الدولة، أن حركة حساباته مكشوفة، لذا فإن عملية التبييض أو الرشوة تتمّ بأسلوب مختلف تماماً وتحديداً عبر الشركات، ومنها شركات الأوف شورOffshore. تشير مصادر مطلعة عبر "​النشرة​" الى أن "هناك عنصراً مهمّاً في لبنان يغفل عنه الجميع وهو دور ​وزارة​ الماليّة في التدقيق بعدد من تلك الشركات، لا بل أكثر، لا نلمس من الوزراة المذكورة إجراء تحقيقات بهذه الشركات وأعمالها، خاصة وأن الشركات التي تنتقل فيها الحسابات الماليّة هي وهمية تؤسس لإخفاء أسماء مالكيها الحقيقيين من جهة، ومن جهة ثانية لعدم تعقبها بشكل مباشر".

شركات نائمة!

تضيف المصادر: "مثلا إذا أراد متعهد لمشروع تبلغ كلفته خمسين مليون دولار أن يدفع عشرة ملايين دولار كرشوة لأشخاص ومنهم وزير أو مدير عام، عملية دفع الأموال لا تتمّ بشكل مباشر للسياسي ولا الأخير يقبضها ويضعها في حسابه، لأنّ عمليّة Cash Money في هكذا ​حالات​ تسبب مشكلة خاصة وان الـCash لا يدخل فورا في حساب الشخص المعني بل يجب أن يصرّح عن مصدر الاموال إذا كان المبلغ ضخماً، فيتم وضع الأموال بحسابات لشركات تسمّى Dormante أو نائمة وهي لا تعمل"، لافتةً الى أنّ "الحسابات لهذه الشركات تفتح لتوضع الأموال فيها، وشركات تحوّل الأموال الى أخرى وهذه أبرز طريقة لتبييض وغسل الأموال".

ترى المصادر أنه "من السخيف ​اخبار​ اللبنانيين أنّ ملاحقة الأموال غير المشروعة تتمّ فقط عبر ملاحقة حسابات شخصيّة لموظّفين أو غيرهم"، مشدّدة على أنّ "تبييض الأموال يحصل بواسطة شركات تخلق بعدة دول وتكون بأسماء وهميّة ليصبح هناك صعوبة في ملاحقة الأموال التي تنتقل فيما بين تلك الشركات بأكثر من عملية تحويل، أو تذهب الحوالات لشركات يفتحها مالك مؤسسة ما بإسم أحد اقربائه ويبرم عقداً بينه وبين الشخص المعني لدى الكاتب ​العدل​ بأنه المالك الحقيقي للشركة".

اساليب التحقيق بلبنان

في لبنان مثل هذه العمليات تحصل ولكن الفاعل يستفيد من قانون السرّية المصرفيّة، ومعناها أنّ كل عمليات تبييض الأموال محميّة بهذا القانون. بحسب المصادر التي تؤكد أن "الحقيقة في مكان آخر، فالنيابة العامة تستطيع أن تبدأ تحقيقاتها بتحديد مكامن الهدر و​الفساد​، فتتعقّب حركة الأموال الضخمةفي الدولة اللبنانية في الاداراتوالمرافق العامة... وتبدأ تحقيقاتها فيها"، لافتةً الى أنه "وخلال عملية إجراء التحقيقات تقوم النيابة العامة بإسقاط السريّة المصرفية عن الحسابات المعنية ولها الحق القيام بذلك قانونًا"، مشدّدة على أن "قانون الاثراء غير المشروع يسقط ​السرية المصرفية​، كذلك قانون مكافحة تبييض الأموال وقانون العقوبات"، آسفةً لأّنّ "النيابة العامة لا تقوم بكلّ هذه الإجراءات".

لمرّة واحدة في الدولة اللبنانية سمعنا بتحقيق مع متعهدين قام به المدعي ​العام المالي​ القاضي ​علي ابراهيم​ الذي اتصلت به "النشرة" لسؤاله حول الموضوع، فهل التحقيق الذي أجراه شمل حركة حسابات المتعهدين؟ شركات الرقابة؟، الجهة التي تعطي المتعهّد الالتزامات، الأموال التي صُرفت للمتعهدين؟... فكان الجواب بأنه "لا يريد التحدّث بالموضوع أو الإجابة".

كتاب حاكم المركزي

في أيلول من العام 2019 وعندما طلب حاكم مصرف لبنان ​رياض سلامة​ بصفته رئيساً لهيئة التحقيق الخاصة من ​المصارف​ بدء تحقيقاتها بالحسابات المالية، اعتبر في كتابه أن تبييض الأموال المرتبطة بالفساد والتهرّب الضريبي هي جرائم مرتفعة المخاطر وتطبق عليها اجراءات بما ينطبق مع هذه المخاطر، كذلك طلب سلامة من المؤسسات العاملة في ​القطاع المالي​ ان تعتمد الضوابط للحدّ من امكانيّة حصول الجرائم المرتفعة المخاطر سيما المتعلقة بالعمليات النقدية، والحوالات وحسابات الاشخاص المعرضين سياسيا، وشركات "الاوف شور" التي يصعب فيها تحديد صاحب الحق الاقتصادي ومصادر أموالها، ايضا وفي البند الثالث من الكتاب توجّه سلامة الى الجهات المعنية في قطاع الأعمال والمهن غير الماليّة المحدّدة ان تعتمد الاجراءات فيما يتعلق بكتّاب العدل عند قيامهم باعداد معاملات عقاريّة وتأسيس شركات...

إذاً تدرك هيئة التحقيق الخاصة جيداً كيف تجري عمليّات تبييض الأموال المتعلقة بالفساد، والسؤال الأبرز: "بعد عام كامل ما هي الملفّات التي تكوّنت لدى هيئة التحقيق، والنّيابة العامة التمييزية؟ وأين أصبحت التحقيقات"؟.