من المُقرّر أن يعقد ​المجلس الأعلى للدفاع​ إجتماعًا له برئاسة رئيس الجُمهورية العماد ​ميشال عون​ يوم الثلاثاء، وسيكون الهمّ الصحّي في طليعة الإهتمامات، حيث ستتمّ دراسة كامل الواقع ال​لبنان​ي الحالي، لجهة حجم الإصابات بوباء كورونا، وسُرعة تزايد أعداد المُصابين، ومدى قُدرة القطاع الإستشفائي على التعامل معها، إلخ. وسيتمّ كذلك إستعراض الخيارات المُتاحة لمُواجهة هذا الواقع الصعب، في ظلّ توقّع تجاوز إجمالي عدد المُصابين بوباء كورونا في لبنان، عتبة المئة ألف شخص مُنتصف الأسبوع المُقبل! فهل سيتمّ إعلان إقفال البلاد، وكيف سيكون شكل هذا ​الإقفال​، وما هي مُدّته؟.

بداية لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ المسؤولين عن القطاعين الصحّي والإستشفائي نقلوا لكبار المسؤولين في الدولة صُورة سوداويّة جدًا، عن تطوّر وباء كورونا في لبنان خلال الأسابيع القليلة الماضية، مُحذّرين من عدم القُدرة على التعامل مع الإزدياد السريع بأعداد المُصابين، ومُطالبين بالإقفال التام فورًا ومن دون أيّ تأخير إضافي، بشكل يسمح للقطاعين الصحّي والإستشفائي بإلتقاط أنفاسهما، ويحول دون الوُصول إلى مرحلة تُضطّر فيها المُستشفيات للإختيار بين مُصاب شاب، ومُصاب كبير في العُمر أو عنده الكثير من المشاكل الطبّية، لعلاجه على حساب ترك الآخر يموت وحيدًا! في المُقابل، ناشدت هيئات تجاريّة وإقتصاديّة ونقابات عمّاليّة المَعنيّين بعدم إقفال البلاد، لا جزئيًا ولا كليًا، بسبب الضرر الكارثي اللاحق بالتُجّار وبالدورة الإقتصاديّة ككلّ، وبسبب عجز الكثير من اللبنانيّين على الصُمود مَعيشيًا وحياتيًا ليوم واحد من دون عمل، بعد سلسلة الضربات التي لحقت بهم. فأي خيار سيعتمده المجلس الأعلى للدفاع، أي هل سيحمي القطاع الصحّي أم سيحمي القطاع الإقتصادي؟.

بحسب المَعلومات المُتوفّرة، إنّ الخيار الذي سيُتخذ يوم الثلاثاء هو لصالح الإقفال، لأنّه الحلّ الأقلّ سوءًا، باعتبار أنّه حتى في حال ترك البلد مَفتوحًا لبضعة أسابيع إضافيّة، سنصل مُرغمين لخيار الإقفال بعد فترة زمنيّة قصيرة جدًا، أي في المُستقبل القريب عندما سيفشل أي مُصاب بوباء كورونا في إيجاد سرير له في أي مُستشفى، علمًا أنّ عددًا من الهيئات الإقتصاديّة فهم أنّ عليه الإختيار بين الإقفال إختياريًا في تشرين الثاني أو الإقفال قسريًا في كانون الأوّل، أي في شهر الأعياد، فإختار "أهون الشرّين"، أي الإقفال خلال الشهر الحالي، على أمل أن تكون الأوضاع أفضل خلال الشهر المُقبل. والقرارات المُتوقّعة صُدورها هي على الشكل التالي:

أوّلاً: الإقفال سيكون تامًا وليس جزئيًا هذه المرّة، مع إستثناءات مَحدودة جدًا لقلّة من القطاعات الضرورية مثل بعض محال التغذية والصيدليات، والتنفيذ سيكون صارمًا هذه المرّة أيضًا، حيث ستدعم وحدات من الجيش ومن القوى الأمنيّة المُختلفة، العناصر البلديّة في فرض حظر التجوال الكامل في كل منطقة من مناطق لبنان.

ثانيًا: سيُعطى اللبنانيّون فترة زمنيّة قصيرة، للتبضّع ولشراء إحتياجاتهم الغذائيّة والطبّية، قبل دُخول الإغلاق التام حيّز التنفيذ، على مُختلف الأراضي اللبنانيّةوقبل نهاية الأسبوع الحالي.

ثالثًا: لم تُحسم حتى الساعة فترة الإغلاق التام التي ستُعتمد في نهاية المَطاف، لكنّها لن تقلّ عن أسبوعين (من ضمنها ثلاث عُطل نهاية أسبوع) على الأقلّ، في ظلّ مُطالبة هيئات صحّية بأن يكون الإقفال لمدّة أربعة أسابيع، وليس لأسبوعين فقط، وإلا النتائج ستكون متواضعة، أي ستنخفض أرقام المُصابين لفترة قصيرة، قبل أن تعود للإرتفاع مُجدّدًا، ما يَستوجب أن يكون الإقفال لمدّة شهر كامل ليُعطي النتيجة المرجوّة، لجهة وقف تفشّي وباء كورونا مُجتمعيًا. لكنّ المُشكلة أنّ الدولة اللبنانيّة الواقعة في عجز مالي رهيب، غير قادرة على تقديم أيّ مُساعدات مادية للناس، ما يعني أنّ على العاملين اليوميّين وعلى الطبقات الإجتماعيّة التي لا تملك أيّ مبالغ ماليّة إحتياطيّة، التعايش مع فترة صمود منزليّة صعبة جدًا! وبالتالي، القرار النهائي في ما خصّ فترة الإقفال سيُتخذ الثلاثاء.

رابعًا: يُوجد إجماع واسع على أنّ إستثناء أي منطقة في لبنان أو أي قطاعات عاملة، من قرار الإقفال العام والتام، سيُؤدّي إلى فشل الغاية منه، ويوجد أيضًا إجماع واسع على أنّ عدم قيام القوى الأمنيّة بفرض تطبيق إجراء الإففال بشكل صارم على الجميع، سيؤدّي أيضًا إلى فشل الغاية منه. وبالتالي، من المُتوقّع أن يكون الإغلاق أكثر قساوة وحزمًا مُقارنة بمختلف إجراءات الإغلاق السابقة، بما فيها أولى قرارات الإغلاق التي إعتمدت في الشتاء المُنصرم.

في الخلاصة، من الطبيعي أنّ الكثير من اللبنانيّين سيمتعضون من قرار الإقفال، والكثير منهم سيُشكّكون بنجاح هذا الإجراء، وحتى بضرورته. لكن على اللبنانيّين جميعهم أن يفهموا أنّ الأشخاص المُعرّضين لأن يموتوا بسبب مُضاعفات وباء كورونا، أو الأشخاص المُعرّضين لأن يُعانوا بشدّة من عوارضه، يستحقّون التضحية من المُجتمع تجاههم، حتى لو أنّهم أقليّة، وحتى لو كانت الأكثريّة لا تُصاب سوى بعوارض خفيفة أو حتى لا تظهر عليها أي عوارض. ف​الكورونا​ وباء حقيقي، وعوارضه ليست مُشابهة لعوارض الرشح بالنسبة إلى فئات واسعة من الناس تستحقّ أن نُحافظ على فرصتها بالحياة!.