منذ إستقالة رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​، في شهر تشرين الأول من العام الماضي، كان من الواضح أن هناك شرخاً كبيراً في العلاقة بين تيار "المستقبل" وحزب "القوات اللبنانية"، تظهّر بشكل واضح في جميع الإستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلّف، التي تلت تلك الإستقالة، حيث كان الحزب يرفض تسمية الحريري في أيّ منها.

في أوساط "المستقبل" كان هناك الحديث الدائم عن الخيانة والطعن بالظهر من جانب "القوات"، وهو بدأ منذ تاريخ إستقالة رئيس الحكومة المكلّف من العاصمة ​السعودية​ الرياض، في المقابل كان الأخير يعبّر عن تمسكه بالتحالف مع التيار، على قاعدة أن العلاقة بين الجمهورين على أحسن حال، في حين أنّ الموقف السياسي ليس موجّهاً إلى الحريري بشكل شخصي، بل ضد الثلاثي الحاكم المتمثل بكل من "​التيار الوطني الحر​" و"​حركة أمل​" و"​حزب الله​".

يوم أمس انتقلت العلاقة بين الجانبين إلى مستوى آخر، تمثل بالمواقف التي أطلقها أمين عام تيار "المستقبل" ​أحمد الحريري​، رداً على الحملة التي يتعرض لها رئيس الحكومة المكلف من قبل شخصيات قيّادية في "القوّات"، حيث لم يتردّد في توجيه إتّهامات إلى رئيس الحزب، بطريقة غير مباشرة، بقيادة مشروع يقود لبنان إلى التحلّل والتقسيم والخراب، إنطلاقاً من أحلامه بالوصول إلى رئاسة الجمهورية، مؤكّداً أنّ "المستقبل" سيكون في المرصاد لأيّ مشروع من هذا النوع.

ما تقدّم، يعيد إلى الأذهان مجموعة من الإتّهامات التي كان قد تعرّض لها "القوات" في الفترة الماضية، لا سيما بالنسبة إلى الحديث عن تجهيزه مقاتلين لمواجهة "حزب الله"، بحسب ما تؤكّد مصادر متابعة لـ"النشرة"، خصوصاً بعد حديث رئيس "​الحزب التقدمي الإشتراكي​" النائب السابق ​وليد جنبلاط​ الماضي، بالرغم من نفيهللتحليلات التي ذهبت إليه بعض وسائل الإعلام على هذا الصعيد.

من وجهة نظر هذه المصادر، ما تحدث عنه الحريري يتعلّق بشكل أساسي بسعي جعجع إلى دفع القوى السّياسية إلى الإستقالة من المجلس النّيابي، حيث كان يطمح إلى أن يشاركه في هذا التوجّه كل من "المستقبل" و"الإشتراكي"، إلا أنّ الحريري وجنبلاط لم يوافقا على مشروعه، إنطلاقاً من قناعتهما بأنه لن يقود إلى دفع الفريق الآخر للذهاب إلى إنتخابات نيابية مبكرة.

وتشير المصادر نفسها، إلى أنّ رئيس "القوات" يطمح من خلال هذا التوجه إلى الفوز بالأكثريّة النّيابية في الشارع المسيحي، وبالتّالي تقديم نفسه كمرشح "قويّ" لرئاسة الجمهورية في العام 2022، على أساس أنّ "التيار الوطني الحر" ليس في وضع يسمح له بتكرار النتائج التي حقّقها في الإنتخابات الماضية، خصوصاً بعد أن قرّر "الطلاق" مع القوى السّياسية والإنضمام إلى "الثورة" منذ بدء ​الحراك الشعبي​.

في هذا الإطار، تعتبر أوساط سياسية متابعة، عبر "النشرة"، أنّ "الإشتباك" الجديد دليل على أنّ العلاقة بين الجانبين مستمرّة في سياق الإبتعاد، لا سيّما في ظلّ توجه رئيس الحكومة المكلّف إلى تشكيل حكومة تضم مختلف الأفرقاء السياسيين، الأمر الذي يتناقض بشكل كامل مع توجّه "القوّات" في المرحلة الراهنة، التي تعتبر أن لا أمل في نجاح أيّ تركيبة من هذا النوع.

بغض النظر عن إحتمال نجاح الحريري في ​تشكيل الحكومة​ أو حتى في إحتمال نجاح هذه الحكومة في الحد من تداعيات الأزمة الحاليّة، توضح الأوساط نفسها أن "القوات" حسمت خيارها على هذا الصعيد، حيث الرهان على كسب المزيد من النقاط من خلال الإبتعاد عن السلطة والتصويب على فشلها، على أمل أن يقود ذلك إلى تحسين أوراق قوتها شعبياً قبل موعد ​الإنتخابات النيابية​ المقبلة.

في المحصّلة، تلفت هذه الأوساط إلى أنّ "الهوّة" بين الجانبين تكبر يوماً بعد آخر، إلا أنّها تفضّل ألاّ تحسم في مصير العلاقة منذ اليوم، بانتظار التطوّرات التي قد تشهدها الساحة المحلّية في المرحلة المقبلة، خصوصاً أنّ "المستقبل"، الذي يحتاج إلى "حليف" قوي على الساحة المسيحيّة، لم ينجح في ترميم ما انقطع مع "التيار الوطني الحر" حتى الآن.