تحوّل الصَمت الإعلامي بشأن نتائج مُحادثات تشكيل الحُكومة القائمة بشكل مُباشر ومَفتوح بين رئيس الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​ ورئيس الحُكومة المكلّف الأعمال سعد الحريري، من مسألة إيجابيّة لجهة منع التشويش من قبل المُتضرّرين، إلى مسألة سلبيّة جدًا بعد مُرور أسابيع عدّة من دون ظُهور بوادر إيجابيّة، حيث تكاثرت الأقاويل والإشاعات والمَعلومات المَغلوطة، من دون صُدور أي توضيحات من جانب المَعنيّين بملفّ التشكيل. فأين صار الملفّ الحُكومي، وما هي العوامل التي أعاقت عمليّة التشكيل حتى تاريخه؟.

أوّلاً: التأثير الخارجي مَوجود، لكنّه ليس بالشكل الذي يتمّ تصويره، أي لا أحد ينتظر إستلام الإدارة الجديدة في واشنطن لتقرير حجم مَطالبه على المُستوى الحكومي، ولا أحد عدّل مَوقفه-أكان سلبًا أم إيجابًا، بعد صُدور العُقوبات الأميركيّة على رئيس "التيّار الوطني الحُرّ" النائب ​جبران باسيل​. فالتأثير الخارجي هو بشكل ضُغوط أميركيّة مُستمرّة على لبنان-بغضّ النظر عن هويّة الرئيس والحزب الحاكم في واشنطن، بوجوب تحجيم تمثيل "حزب الله" في السُلطة التنفيذيّة وحرمانه من بعض الوزارات الحسّاسة. كما أنّ التأثير الخارجي هو بشكل رسائل عربيّة وخليجيّة مُتواصلة، بانّه لن يكون هناك أيّ تغيير في السياسة المُعتمدة تجاه لبنان حاليًا، وبالتالي لن تكون هناك أيّ مُساعدات، ما لم يحصل تغيير في تعاطي الحُكومة اللبنانيّة مع الملفّات العربيّة والخليجيّة. والتأثير الخارجي هو أيضًا بشكل تحذيرات من جانب المُجتمع الدَولي، بأنّ لبنان لن يحصل على أيّ نوع من المُساعدات والقروض الماليّة، ما لم يُشكّل حكومة جديدة تكون محط ثقة داخليًّا وعالميًّا، وتكون خُصوصًا قادرة على إطلاق الورشة الإصلاحيّة على مُختلف الصُعد.

ثانيًا: العوامل الداخليّة التي إنعكست سلبًا على عمليّة التشكيل، أساسيّة، وهي تتمثّل خُصوصًا بالصراع المَفتوح بين "تيّار المُستقبل" من جهة و"التيّار الوطني الحُرّ" من جهة أخرى، ولوّ أنه لا يُوجد حتى الساعة أيّ تواصل مُباشر بين رئيس الحُكومة المُكلّف ورئيس "التيّار". فبعد أن فرض "الثنائي الشيعي" حصّته مُسبقًا في أيّ حُكومة سيتمّ تشكيلها، وتمكّن من إنتزاع ​وزارة المال​ مُجدّدًا، ومن الحُصول على مُوافقة مبدئيّة بأن يُسمّي وزراءه، طالب "التيّار الوطني الحُرّ" بأن يُعامل كما يُعامل باقي الأفرقاء، وذلك على مُستوى المُداورة والحق بتسمية الوزراء وحجم الحصّة الوزاريّة، إلخ. وبالتالي، صار الحريري مُضطرًّا للمُوافقة على ألا تكون له الكلمة الفصل في حصّة فريق ​رئيس الجمهورية​ مع "التيّار"، تمامًا كما هو الأمر مع حصّة "الثنائي الشيعي". وبالتالي، مع تمسّك "الثنائي" بوزارة المال، سَقط مبدأ المُداورة على مُستوى الحقائب المُصنّفة سياديّة. وحاول رئيس الحُكومة المُكلّف المُساومة على وزارة الداخليّة، لكنّه فشل في تمرير طرحه، لأنه ربط التخلّي عن هذه الوزارة الأمنيّة الحسّاسة لصالح "التيّار"، بالحُصول على وزارة الخارجيّة، وكذلك بتخلّي "التيّار" عن ​وزارة الطاقة​، بحجّة أن تطال المُداورة الحقائب الخدماتيّة أيضًا، وليس السياديّة فقط. كما تعرّض الحريري لرفض من داخل فريقه على طرحهالتخلّي عن وزارة الداخليّة، حيث خرجت أصوات سنّية مُعترضة على هذه الخُطوة، ورفضت جهات سياسيّة حصر الوزارات الأمنيّة بيد رئيس الجمهوريّة الحاصل أساسًا على ​وزارة الدفاع​.

ثالثًا: العوائق الداخليّة التفصيليّة طالت أيضًا حجم الحُكومة حيث لا يزال أكثر من فريق يرفض مُجاراة الحريري بطرحه حكومة من 18 وزيرًا، لاهداف مُرتبطة شكلاً بأن يحظى كل وزير بحقيبة واحدة، ومُرتبطة ضمنًا بإمتلاك فريق رئيس الجمهوريّة الثلث الضامن أو المُعطّل، وبأن يتمّ عدم حصر التمثيل الدُرزي بممثّل عن "الإشتراكي" بل بوزيرين، أحدهما مَحسوب على "الإشتراكي" والآخر على "​الحزب الديمقراطي اللبناني​" برئاسة النائب ​طلال أرسلان​.

رابعًا: يُواجه رئيس الحُكومة المُكلّف الذي كان يطمح بأن تكون له الكلمة الطولى في تشكيل الحُكومة، وفي تعيين أغلبيّة الوزراء فيها، إصرارًا من جانب رئيس الجمهوريّة على المُشاركة في تفاصيل عمليّة التأليف. كما يُواجه تقلّصًا واضحًا لنُفوذه فيها، حيث أنّه في حال تلبية مطالب الجهات السياسيّة المُختلفة ("حزب الله" و"حركة أمل" و"التيّار الوطني الحُر" و"تيّار المردة"، إلخ)، ستنحصر حصّة الحريري بثلث واحد في الحكومة، من بينها وزير لصالح "الإشتراكي" ووزير آخر لصالح "تيّار العزم".

وأمام هذا الواقع، يشعر رئيس الحُكومة المُكلّف أنّ إستجابته للمطالب السياسيّة المَطروحة على خطّ التأليف، تعني عمليًا تشكيل حكومة مُطابقة بالشكل وبالمَضمون للحُكومة المُستقيلة برئاسة الدُكتور حسّان دياب، وهذا الأمر-في حال حُصوله، سيُحرجه امام جمهوره، وأمام الرأي العام اللبناني، وأمام خُصومه وأمام حلفاء الأمس الذين فرّقتهم الأيّام، وربّما أمام المُجتمَعَين العربي والدَولي أيضًا. وفي حال رفض الحريري هذه المَطالب، فإنّ الجُمود سيبقى طاغيًا على مسار التأليف. والسؤالالذي يفرض نفسه هو التالي: كيف السبيل إلى تشكيل الحكومة من جهة، وإلى إنقاذ ماء وجه الحريري من جهة أخرى؟!.