في الوقت الذي يتأرجح فيه ​لبنان​ بين الزحف المتواصل والخطير لفيروس «كورونا» والفوضى السياسية العارمة، تعود المشاورات بشأن تأليف ​الحكومة​ إلى نقطة الصفر، في ظل تباعد شاسع في رؤية القوى السياسية تجاه هذا الاستحقاق الذي كلما طال أمد انتظار إنجازه، كلما ازدادت الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية تفاقماً.

وإذا كانت اللقاءات الدورية التي تعقد في ​قصر بعبدا​ بين ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ والرئيس المكلف ​سعد الحريري​ توحي بنوع من الإيجابيات حول المسار الذي تسلكه، فإن المعطيات المستقاة من أكثر من جهة تؤكد بأن رحلة التفتيش عن صيغة توافقية للتوليفة الحكومية ما تزال شائكة ومعقدة، وأن كل الصيغ التي طرحت لغاية اليوم قد اصطدمت بحائط الرفض والفيتوات المتبادلة.

وقد عكس ما تضمنه المؤتمر الصحافي لرئيس «التيار الوطني الحر» من مواقف حول الوضع الحكومي، عمق هذه ​الأزمة​ حيث بعث ​باسيل​ برسائل واضحة وضوح ​الشمس​ بأن عملية التأليف تمر في مخاض عسير، وأن تأمين المرور الآمن لها لن يكون بالأمر السهل، وهو وضع قواعد اعتبرها ثابتة ولن يحيد عنها في هذه العملية، وهذه القواعد من شأنها ان تعيد خلط أوراق التأليف ووضع هذا الملف مرّة جديدة على رف الانتظار، بعد ان كان البعض من السياسيين وغير السياسيين يربطون عملية ​تشكيل الحكومة​ ب​الانتخابات الأميركية​ التي انتهت، وهي أظهرت بأن الربط الذي كان قائماً بينها وبين ​تأليف الحكومة​ كان مجرّد وهم، حيث ان الملف الحكومي لا اثر له في الأولويات الأميركية، كما انه لم يعد أولوية على الأجندة الأوروبية وعلى وجه الخصوص الفرنسية، وإن كانت ​باريس​ ما تزال تحرص على عدم قطع «شعرة معاوية» مع القيادات السياسية اللبنانية حيال هذا الملف.

وفي هذا السياق تبدي مصادر سياسية هواجس مخيفة حيال استمرار الجدال حول تأليف الحكومة وهي تحذر من ان الاستمرار على هذا المنوال يعني ان البلد يتجه إلى مزيد من الغرق في الانهيار الاقتصادي والمالي الرهيب والذي لم يألفه لبنان حتى في عز الحرب الأهلية، أو خلال الاجتياحات ال​إسرائيل​ية المتعددة للبنان حيث كانت تلحق الضرر بغالبية ​البنى التحتية​ على مساحة لبنان.

السياسة​ الأميركية تجاه الخارج هي.. هي إن كان الرئيس جمهورياً أم ديمقراطياً

وتكشف هذه المصادر ان كل ما حكي في الأيام الماضية حول تفاهم على توزيع الحصص تمت الاطاحة به، وعادت الأمور إلى المربع الأوّل، بعد ان تراجع كل فريق سياسي حول ما كان يفترض انه تمّ الاتفاق عليه مع الفريق الآخر، لا سيما ما يتعلق به بالمداورة في الحقائب السيادية ما عدا ​وزارة المالية​، وان إصرار فريق رئيس الجمهورية والنائب باسيل على ان تكون حقيبة ​الطاقة​ من حصته ربما يكون من أبرز العقد التي تواجه الرئيس المكلف في سعيه لوضع مسودة نهائية للتشكيلة التي ستكون عليه حكومته.

وفي رأي هذه المصادر ان الرئيس المكلف يستعد لخوض معركة قاسية حول توزيع الحقائب، بعد الذي قاله باسيل، حيث وجد نفسه مجدداً امام سلسلة من العقد، وهو الذي كان يظن انه فكّك معظمها خلال اللقاءات الدورية التي يعقدها مع رئيس الجمهورية في قصر بعبدا، حيث ان ما كان قد تمّ التفاهم عليه قبل قرار العقوبات يبدو انه بدأ يتبخر بعد صدور هذا القرار والرد الذي جاء على لسان باسيل عليه، وهو ما يعني ان عجلة ​الاتصالات​ بشأن التأليف ربما تتفرمل بانتظار بروز معطيات جديدة تشجّع الرئيس المكلف على خوض غمار مفاوضات من نوع آخر مع رئيس الجمهورية بغية إعادة عجلة التأليف على السكة مجدداً، وهذا الأمر ربما يحمّل الرئيس الحريري بعض العناء.

ولا تغفل المصادر عوامل أخرى تعيق التأليف وهو ما برز في ​الساعات​ الماضية من احتدام المعركة بين «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» والذي عبر عنه تبادل كلام عالي النبرة على مواقع التواصل الاجتماعي، بغض النظر عمّا إذا كانت «القوات» قد أعلنت مسبقاً بأنها ستكون خارج أي حكومة يرأسها الرئيس الحريري، وتأتي عملية التأثير لهذا السجال على ملف التأليف من باب ان وجود مناخات سياسية مكهربة تساهم إلى حدّ كبير في «خربطة» الأجواء التي يجب تأمينها لتشكيل الحكومة، وهذه الأجواء من غير الممكن وجودها في ظل الاشتباكات السياسية الدائرة على أكثر من محور، والتي دخل على خطها بشكل مباشر البطريرك الماروني الكاردينال ​بشارة بطرس الراعي​ الذي أعلن من عاصمة ​الشمال​ ​طرابلس​ الاثنين الفائت بأنه «من غير المقبول ان يسيطر على الحكومة فريق ويقرر شكلها فريق، ويعين أسماء وزرائها فريق فيما الآخرون مهمشون»، في إشارة واضحة إلى استبعاد «القوات اللبنانية» عن حركة المشاورات الجارية بشأن الملف الحكومي، وهذا الموقف للبطريرك الراعي يوحي أيضاً بأن الهوة عميقة بين القوى السياسية، وهذا بحد ذاته يُشكّل عاملاً مؤثراً سلبياً على عملية ولادة الحكومة.

وتكشف المصادر عن نصائح داخلية وخارجية بضرورة تجاوز مسألة العقوبات على باسيل وعدم ربط ذلك بعملية التأليف، كما بوجوب عدم الرهان على أية متغيرات جوهرية في الموقف الأميركي، لأن معالم التعاطي الأميركي لن تظهر قبل ثلاثة أشهر أو ربما أكثر، مع الميل إلى استبعاد أي تغيير لأن السياسية الأميركية تبقى حيال الملفات الخارجية هي.. هي إن كان الرئيس ديمقراطياً أم جمهورياً، وأن الطريق في التعامل هي التي قد يطرأ عليها بعض التعديل، اما الثوابت فتبقى على حالها ومن المستحيل ان يطرأ عليها أي تعديلات جوهرية تمس ب​الأمن​ القومي إن كان ل​واشنطن​ أو لإسرائيل.