كل شيء كان متوقعاً لدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلا أن يأتي مستشاره ​باتريك دوريل​ الى لبنان لإعادة ضخ وحدات دم في عروق المبادرة الفرنسية، ويسمع من المسؤولين اللبنانيين الكلام التالي:

-تشكيل ​الحكومة​ لا يزال عالقاً بين الشروط التي يضعها ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ والشروط المضادة التي يواجهه بها رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​.

-عون يصر على تسمية الوزراء المسيحيين والحريري يرفض ذلك.

-رئيس ​التيار الوطني الحر​ النائب ​جبران باسيل​ لا يزال يتمسّك بوحدة المعايير كي يساوى التيار بغيره من الأفرقاء رافضاً تسمية الوزراء المسيحيين من قبل الحريري، ورئيس تيار المرده ​سليمان فرنجيه​ يرفض ما يطالب به عون وباسيل لناحية أن يسمي كل رئيس وزراء من طائفته ويصر على المشاركة الوطنية في التسمية على قاعدة ما المشكلة إن سمى رئيس الجمهورية المسيحي وزراء مسلمين ورئيس الحكومة السني وزراء مسيحيين.

القاسم المشترك الوحيد الذي سمعه دوريل من المسؤولين ورؤساء الكتل، هو الدعم الكامل للمبادرة الفرنسية والتسهيل الكامل لها، والحرص الكامل على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة. لكن الموفد الفرنسي لمس جيداً خلال لقاءاته بأن هذا القاسم المشترك، وبتعابيره المعسولة، لم يكن إلا شيكاً بلا رصيد قدمه له المسؤولون اللبنانيون ليس لهدف، إلا لرمي مسؤولية عرقلة تأليف الحكومة على بعضهم البعض وهذا ما فهمه دوريل وأوصله الى الرئيس الفرنسي بكامل معطياته.

لكل ما تقدّم وجه مستشار الرئيس الفرنسي الى المسؤولين اللبنانيين تحذيراً فرنسياً شديد اللهجة. تحذير، إختصره بمهلة زمنية لا تتعدى الأسبوعين كحد أقصى، لإنجاز التشكيلة الحكومية وبدء العمل وإلا لا مؤتمرات خارجية مانحة ولا مساعدات ولا مؤتمر سيدر ولا من يحزنون. من هنا تحدثت المصادر الفرنسية عن أن الرئيس ماكرون نسف فكرة المؤتمر الدولي الموسّع لدعم لبنان والذي كان من المقرر أن يعقده نهاية تشرين الثاني الجاري، وإستعاض عنها بمؤتمر مصغّر يهدف الى تأمين مساعدات محددة الأهداف، أبرزها إعادة إعمار مرفأ بيروت بعدما دمره إنفجار الرابع من آب وإعادة إعمار بعض الأبنية المتضررة.

إذاً المبادرة الفرنسية تترنّح كي لا نقل أنّها سقطت بالكامل، ولبنان يترنح ايضاً كي لا نقل إنهار بالكامل، والمؤشرات جميعها تحذر من أسابيع قادمة ستكون أصعب بكثير من تلك التي يعيشها اللبنانيون اليوم. أسابيع عنوانها الأول والأبرز إحتياطي ​مصرف لبنان​ الذي شارف على نهايته ما يعني عملياً رفع الدعم عن المحروقات والأدوية والخبز. رفع الدعم بالنسبة الى المواطنين لا يعني سوى جهنّم بكل ما للكلمة من معنى لأن عدداً كبيراً من المرضى لن يتمكن من شراء أدويته هذا إذا تمكن المستوردون من تأمينها، ولأن عدداً كبيراً من اللبنانيين الذين لا يزالون يحافظون على وظائفهم، لن يتمكنوا من الذهاب الى شركاتهم ومكاتبهم إذا أصبح سعر صفيحة البنزين بين 70000 و80000 ليرة، هذا من دون أن ننسى عجزة وأطفال الجبال والمرتفعات الذين سيعانون الأمرّين من برد الشتاء لأن تدفئتهم على المازوت لم تعد ممكنة بعد إرتفاع الأسعار.