أَتقَنَ ​لبنان​ لِسَنَوات طَويلَة، وتَحديداً مُنذ تِسعينات القَرن الماضي، إخفاءَ أزَماتِه والهُروبَ مِنها الى الأَمام فَتَفاقَمَت وتَناسَلت. وحِينَ وَصَلْنا الى لَحظَة الحَقيقة وصَارَ مُتَعَذِّراً التَعميَة على الوَقائِع أو التَسَتُّر علَيها، تَبَدَّى وكأنَّ بُنيانَ البَلَد يَتَفَكَّك على كُلّ الصُعُد، ورُبَّما جازَ القَول إنَّنا نَشهَد تَحَلُّل الدَولة حتّى تكاد تُصبِح رُكاماً. لَقَد جَعَلنا مِنَ الخِلافات والمُناكَفات والنِكايات وشَخصَنَة الأمور سياسَةً، ومِنَ الطوائِف والمَذاهِب هَوِيَّةً وطَنيَّةً، واعتَبَرنا التَشاطُر تِجارَةً، والاستيراد صِناعَةً، والاستِدانة والفَوائد على الإيداعات في المَصارِف نُمُوَّاً، وتَشوِيه المُعطَيات والتَلاعُب بِصِحَّةِ الأرقام فَنَّاً وهَندَسَةً ماليّة، والرَيع اقتِصاداً. في اختِصار، لَقَد حَوَّرنا في المَفاهيمِ الوَطَنيَّة و​الإنسان​يَّة والأخلاقيَّة وأفقَدنا الكَلِمات دَلالاتها والعِبارات مَعانيها. لَكِنَّ أسوَأ ما فَعَلْناه، أَنَّنا زاوَجنا بَينَ الفَساد واللاكفاية، وَهَمَّشنا سُلَّم القِيَم في العَمَل الوَطَني، وأبعَدنا الأخلاق والحِسّ الإجتِماعي عَن السياسَة والاقتِصاد والخَيارات الوَطنيّة.

بالتالي، هَلْ يَعودُ مُستَغرَباً أنْ يَبدو هذا الكَيان الصَغير بِمَساحَتِه الجُغرافيَّة، الكَبير بِرِسالَتِه الإنسانيّة، بَلَداً في طَور التَشَكُّل الدائِم، فَلا يَرسو على بَرٍّ سياسيّ أو اقتِصاديّ، ضائِعاً في خَياراتِه، مُلتَبِساً في انتِمائِه، مُزَعزَعاً في تَصَوُّرِه عَن نَفسِه ودَورِه وقُدُراتِه وطُمُوحاتِه؟!

رَسَمْنا عَن أنفُسِنا صُورَة تُقارِب المُشتَهى وتَبتَعِد عَن الواقِع والوَقائع، فَصَدَّقناها وأقَمنا في إطارِها.

أصابَنا ما قالَه الأخطَل الصَغير يَوماً: «خَدَعوها بِقَولِهِمْ حَسْناءُ..والغَواني يَغُرُّهُنَّ الثَّناءُ».

ويومَ جَدَّ الجَدُّ، وعلى رغم مِن تَنبيهات قِلَّة مِنَ المُتَنَوِّرِين الصادِقين الذين بَقَوا أصواتاً صارِخَةً في البَرِّيَّة، إستَفَاقَ اللبنانيّون عَلى هَول أزَمات إقتِصاديَّة، ماليَّة، نَقديَّة، مَصرِفيَّة، تَوَلَّدَت مِنها إحدى أخطَر المآسي الاجتِماعيَّة التي تُهَدِّد البَلَد وأهلِه في الذِكرى المِئويّة الأُولى لإعلان لبنان الكبير. بلَغَت كارِثيَّة الأمر حَدَّ تساؤل بَعضِهم: هَل نَطوي صَفحَة لبنان الذي عَرِفناه وحَلِمنا بِهِ لَنا ولِأَولادِنا وأحفادِنا؟ هَل تُطيح الأزَمات الداخِليَّة والخارِجيَّة آخِر ما تَبَقّى مِن ذاكَ اللبنان؟

وإن كانَ كذلِك، هَل يُمكِن الإنطِلاق بِمَشروع وَطَني نَهضَوي بَدَل التَقَوقُع والإنغِلاق في ضَحالَة فِكريَّة والتَمَسُّك بأوهام سُلطَة مُفتَرَضَة؟

هَلْ يُمكِن إعادةَ بِناء لبنان جَديد في جُمهوريَّة ثالِثة قِوامُها الدَولَة المَدَنيّة العَصرِيَّة الحاضِنَة لِكُلّ أبنائِها وعلى أسُس العَدالة والمُساواة أمام القانون، والمُبادَرة والإبداع على كُلّ المُستَويات مِنَ الفِكر إلى العَمَل والإنتاج بَعيداً عَن سياسات الرَيع؟!

إنَّ لبنان أمام مُنعَطَف تاريخي، والمَسؤوليّة السياسيّة كَبيرة جدّاً. فَهَل يَعي القادَة السياسيّون والمُؤتَمَنون على أموال الناس جَسامَة اللحظة؟! ألا يُفتَرَض أنْ تُقَدِّم السياسَة مَصلَحَة الشَعب على أيّ اعتِبار آخر، وأن لا تَكون مَطِيَّة لِلتَسَلُّط والتَحَكُّم وفَرض نَمَطيّات قَمعِيّة لِلفِكر والسُلوك؟!

هَل مَن يُقِرّ اليَوم أنّ السياسات المُتَّبَعَة أضاعَت الطَريق نَحوَ الحُكم الرَشيد؟ وَكُلّ حُكم يُفتَرَض أنْ يَكون رَشيداً أي مَسؤولاً يُراعي مَصالِح الناس وَيَلتزِم بِسُلَّم قِيَم وطَنيَّة واضِحة.

الجمهُوريّة الثالِثة المَرجُوَّة والتي يُؤمَل بِتَلَمُّسِها من دون تَأخير، نُريدُها جُمهُوريَّةَ الحُكْم الرَشيد المُلتَزِم بالشَفافيّة الكامِلَة وبالقِيَم الوطَنيّة والإنسانيّة والأخلاقيّة. نُريدُها جُمهُوريّة الإنتاج الفِكري المُتَنَوِّر والثَقافي والصِناعي والزِراعي والسِياحي الرائِد، وكُلّ ما يَتَّصِل بالحَداثة بِمفاهيمِها الإيجابيَّة والبنّاءَة.

تَلَهّى اللبنانيّون بالاستِهلاك على حِساب إنتاجيّة الإقتِصاد والجَدِّية والفَعاليّة بالعَمَل، فغَرِقوا تَدريجاً وعلى مَدى سَنَوات، بالدُيون المَصرِفيّة وباعوا جُزءَاً مُهِمّاً مِن ثَرَواتِهم العَقاريّة، مِمّا حَدا بالعَديد مِنهُم إلى الهِجْرَة طَلَباً لِلعَيش الكَريم.

لَقَد كَشَفَت الأزمَة الخَطيرة التي يَمُرُّ بِها لبنان، عَن هَشاشة النَموذَج اللبناني، سياسيَّاً واقتِصاديَّاً وماليَّاً ونَقديَّاً ومصرِفيَّاً واجتِماعيَّاً.

في كِتابِهِما الصادِر عام 2017: مُفارَقَة الهَشاشة The Paradox of vulnerability، يَعتَبِر جون هول وجون كامبل، أَنَّ الدوَل الصَغيرة الحَجم نِسبيّاً، يُمكِنُها مُواجَهَة الأزَمات الإقتِصاديّة، أكثَر مِنَ الدوَل الكُبرى شَرطَ أن تَكونَ مؤسَّساتُها فَعّالة وقادِرة على التَعاطي مَعَ الصدَمات والأحداث بِمُرونة وحَزم وشَفافيّة في آن. فَفي المُلِمّات، غالِباً ما تَعلو الهُموم الإقتِصاديَّة والمَعيشيَّة، عِندَ الشُعوب الواعيَة لِمَصالِحِها، على التبايُنات الإتنيَّة أو الدِينيَّة أو اللغَويَّة. فالَهَشاشة تَرتَبِط مَثَلاً بمَدى فَعاليَّة الجِسم القَضائي، وصَلابَة المؤَسَّسات الرَقابيَّة والإداريَّة، وحُسْن إدارتِها لِلمال العام والنَقد الوَطَني، وفعاليَّة إشرافِها على المَفاصِل الإقتِصادِيَّة لا سيَّما قِطاعَي المَصارِف والتَأمين، كَما وقُدرَة هذِه المؤَسَّسات على التَأقلُم مَع الأزَمات.

فأَينَ نَحنُ مِن كُلِّ ذَلِك؟!

هَلْ سَتَتَكَشَّف الحَقائِق الماليّة يَوماً وَيُصار الى مُحاسَبَة مَن اقتَرَفَت أَيديهم جَرائِم ماليّة مُتَشَعِّبة، طِوالَ ثلاثَة عُقود؟!

آنَ الآوان لاستِبدال هذا النَموذَج السياسي الإقتِصادي الّلاأَخلاقي، الذي انبثَقَت منه، مُنذُ التسعينيّات، مَنظومَة سياسيَّة ماليَّة فاشِلَة، تَغَذَّت مِنَ الفَساد والرَيع، وسَبَّبَ سُوءُ إدارتِها واقِعنا المَرير. فَقَد حَمَّلَت لبنان دَيناً حُكوميّاً قارَبَ الـ 95 الف مليار ليرة لبنانيّة مِن جِهَة و35 مليار دولار مِن جِهَة ثانية، كما تَكَشَّفَت فُجوَة في حِسابات مَصرِف لبنان تَجاوَزت الـ 54 مليار دولار هيَ الأساس في إضاعة الناس لأكثَر مِن نِصف إيداعاتِهِم ب​الدولار​.

ومعَ ذَلِك، إمكانيّات المُساءَلة لا تَزال شِبه مَعدومَة لأنَّ القُدرَة على التَعطيل والتَسويف لا تَزال أقوى، وَسطَ تَغييبٍ مُتَعَمَّد لِلأرقام الرَسميَّة الصَحيحة في دَولَة طالَما كانَ الرَقمُ فيها اجتِهادات غَير مُلزِمَة أو وُجهَات نَظَر مُتَناقِضة مِمّا يَزيد مِن إضاعَة البُوصَلَة وَذَرِّ الرَماد في العُيون.

ويَبدو أنَّ الخُطُوات نَحوَ مُعالَجَة الإنهِيارات، كما ظَهَرَ إلى الآن، لا تُوازي مُطلَقاً حَجم الأَخطارِ الحَقيقيّة. يَتَأتَّى ذَلِك مِن حالَة إنكار بَعض المَسؤولين الواقِع الأليم أو جَهل العَديدِ مِنهُم لِلأَرقام ولِحَقيقة الوَضع المأسوي لِلبَلَد، وهوَ ما يُفقِدُهُم زِمامَ المُبادَرة للإصلاح.

لِهَذِه الأَسباب وغَيرِها، نَحتاج اليَوم، وَنحن على أعتابِ الجُمهُوريّة الثالِثة، إلى إنتاج عَقدٍ اجتِماعيٍّ جَديد في لبنان، عِمادُهُ سُلَّم قِيَم هادِف، يُساهِم في بِناء اقتِصادٍ مؤَنسَن يُخَفِّف مِنَ الفَوارِق بَين شرائِح المُجتَمَع قِطاعيّاً ومَناطِقيّاً. وبِما أنَّ لا سَلام يُبنى على القَهر والظُلم بَل على العَدالَة والغُفران، كما قالَ القِدّيس يوحنّا بولس الثاني، عَلَينا كمُجتَمَع أن نَجهَد لإرساءِ مَفهوم الحِوار الدائِم البَنّاء بَينَ مُكَوِّنات الإنتاج، عُمّالاً ورُوّادَ أعمال. وفي هذا السِياق، يُفتَرَض اعتِماد نِظام ضَريبي جَديد، عادِل اجتِماعيّاً وكَفيا اقتِصادّياً، يَرتَكِز على مَبدأ الضَريبة التَصاعُديّة والصَحن الضَريبي المُوَحَّد للأُسرَة، بِما يُساهِم في استِعمال جُزء مِنَ الثَرَوات الوَطَنيّة في تَحقيق النُمُوّ الإقتِصادي المُتوازِن والمُستَدام. نَحنُ في حاجة الى إجراء تَحَوُّلاتٍ جَذريّة في بُنيَة الإقتِصاد الوَطَني لأنسَنَتِه، وإعادة ضَخّ الحَياة فيه؛ فَشِراء الوَقت، كما يَتَوَهَّم بَعضُهُم، لَمْ يَعُد يَنفَع.

لبنان مَشروعُ عَيشٍ مُشتَرَك يُبنى كُلَّ يَوم، ومَشروعُ شَراكَةٍ حَضارِيّة لا عَدَديّة. هُوَ مَدعوّ لِيَلْعَبَ دَوراً رِياديّاً في المِنطَقَة العَربيّة والأورومُتَوسِطِيَّة. هَذا يتَطَلَّب تَنقيَةَ ذاكِرتِنا المُثخَنَة بِجِروح الحُروب وما تَلاها مُنذ التِسعينيّات، وإعادة النَظَر بِسُلَّم القِيَم الذي تَصَدَّعَ مُذّاك، والتَعاطي بِتَسامُح، وقُبول الآخَر بمَحَبَّة empathy، والابتِعاد عَنْ الغَوغائيّة التي هيَ نَقيضُ حُرِّيَة الفِكر، والارتِداع عَن خِطاباتِ الضَغينة، والتَصَدّي لِنَكءِ الجِروح.

لبنان في حاجَة ماسَّة الى مَواقِف مُختَلِفَة ولِكَلام جَديد، فَالمُجتَمَعات لا تَعرِف الجُمود، تَماماً كالأفكار التي غالِباً ما تُشكِّل قوَّة الدَفع لأي تَطوّر. عَلينا استِنباطَ مَشاريع نَهضَوِيّة جَديدة كما فَعَلَ أجدادُنا مُنذُ قَرن، ولَيسَ تَنقيحَ أفكارٍ ماتَت أو العَودَة إلى أضغاثِ أحلام، والأكيد، عَدَم القيام بِرَدّاتِ فِعل على الصَعيد الفِكري. وَالأهَمّ، تَرجَمَة كُلّ ذَلِك بِسُلُوكيّاتِنا

Nous sommes ce que nous faisons.

وَرِثنا مِن الجُمهُوريّة الأُولى المُمتَدَّة حتى أواسِط السَبعينات، حَسَنات في مَجالات كَثيرة، مِنَ النمُوّ الإقتِصادي إلى العُمران إلى بِناء العَديد مِن مؤَسَّسات الدَولَة وإلى الثَقافة وَالفَنّ. لَكِنَّ تِلكَ المَرحَلَة أفضَت الى حُروب أليمَة، مِمّا يَعني أنّنا جَميعاً أخطَأنا بِنِسب متفاوتة، عَن قَصد أو جَهل أو عَصَبيّة. أمّا بَعضُ ما ارتُكِبَ في الجُمهُوريّة الثانية، مُنذُ التِسعينات، ماليّاً وإداريّاً، فَلا يُمكِن اعتِبارُه أقَلّ مِن خَطايا قاتِلة.

اليَوم، يَجب ألّا نوَرِّث أبناءَنا الانهِيار والتَفاهَة والعَجز عَن اجتِراح الحُلول. فمَشكِلاتنا صَعبة ومُعقّدَة لَكِنَّها قابِلَة لِلحَلّ. وعَلى سَبيل المِثال لا الحَصر، عَلَينا المُبادَرة إلى تَحقيق الآتي:

- تَعزيز، لا بَل تَأمين الشَفافيّة في مُختَلَف مؤَسَّسات الدَولَة وفي العَمَل السياسي والوَطني عموماً، والإفصاح عَن كُلّ ما يَهُمّ المواطِنين، واعتِبار التَهريب والتَهَرُّب الضَريبي بِمَثابة جَريمَة ماليّة ولَيسَ فَقَط مُخالَفة وتَذاكياً.

- بِناء دَولَة الإنتاج، سِلَعَاً وخَدَمات وتكنولوجيا، مِن خلال تَحفيز المؤَسَّسات الصَغيرة والمُتَوَسِّطة الحَجْم في المَناطِق، ولَيسَ دَولَة الرَيع والسَمسَرات على اختِلاف تَنَوُّعِها، تأميناً لِتَنميَة مُستَدامَة ولِرَفاه اجتِماعي على مَساحَة الوَطَن.

- تَزخيم دَور المَرأة في سُوق العَمَل وخُصوصَاً في القِطاعات ذات القيمَة المُضافَة العاليَة.

- إرساء قِيَم التَضامُن الإجتِماعي، لَيسَ فَقَط بَينَ أبناء مِنطَقَة واحِدَة أو طائفَة أو مَذهَب، بَلْ بَينَ كافَّة المُواطنين بِدون تَمييز أو تَفرِقة، واعتِماد شَبكَة مُتَكامِلَة للحِماية الإجتِماعيّة لا سيَّما لِذَوي الدَخل المَحدود.

- الإلتِزام الوَطني تَربَويّاً وتَعليميّاً. فالإنسان هو إبنُ بيئَتِه، صَحيح، لَكِنَّهُ أيضاً وخُصوصاً إبنُ تَربيَتِه أخلاقيّاً وعِلْميّاً. فَما يَتَرَبّى عَليه ويَتَعَلَمُه هو خَزّانُ ثَروَتِه الحَقيقيّة الذي يَنطَلِق مِنه ملتَزماً بتَطوير نَفسِه ومُجتَمَعِه.

- إعتِماد الدَولَة المَدَنيّة بِكُلّ أبعادِها. فَالإنسان المُواطِن هوَ الأساس ولَيسَ ابن الطائِفة أو المَذهَب. وكما قيل: «علينا أنْ نكونَ مواطِنين قَبلَ أنْ نَكونَ بَشَراً».

يَتَّصِل ذلِك بِإرساء المُساواة الحَقيقيّة بَينَ المُواطِنين بِلا أيِّ تَمييز بَدءاً مِن قانون مُوَحَّد للأَحوال الشَخصيّة. فَمَثَلاً، لِماذا الاستِمرار في التَكاذُب على ذاتِنا وعَلى بَعضِنا بِعَدَم قُبول الزَواج المَدَني إلّا إذا عُقِدَ في الخارِج؟!

عَلى الدَولَة المَدَنيّة التي تُؤَمِّن العَدالة والمُساواة أمام القانون وتُحاكي الحَداثَة وتُواكِب تَطَوُّر الفِكر العِلمي، أن تَكونَ واسِطَة عَقدِنا بَعيداً عَن أساليب التَرهيب وإثارَة الغَرائِز وتَخويف الناس مِن بَعضِها. وهذا يَقودُنا حُكماً إلى صِدق نِيّات القيادات السياسيّة والتِزامِها بِتَنفيذ خُطَّة مُتَكامِلَة على أيدي أُناس أكفياء. دَولَة كهذه لا تُبنى على القِطعَة، أَي نأخُذ مِنها ما يُناسِبنا مَصلَحِيّاً ولا نَهتَمّ بِما يَتَعارَض مَعَ تَطَلُّعات فَريق أو مَجموعَة أفرِقاء وفقَ مَوازين قِوى آنيّة. هَذا ما حَدَثَ ولِلأَسَف، في مَوضوع الّلامَركَزيّة المُوَسَّعة التي وَرَدَت نَصَّاً صَريحاً في «اتِّفاق الطائِف» تاريخ 5 تشرين الاول 1989 وَلَمْ تُقَرّ الى حِينِه أيّ قَوانين لها بِحِجَج واهيَة أو بِتَمييع للمَلَفّ لدى مراجِع عِدَّة.

عَلَينا أنْ نُقِرّ أنَّ زَمَن «التَشاطُر» اللبناني و»المُعجِزَة» اللبنانيّة انتَهى. الشاطِرُ فِعلاً اليَوم هُوَ مَن يَعرِف أنْ يُحَوِّل العَجز إلى إنجاز وهَذه لا تَحتاج إلى مُعجِزَة، بَل إلى نِساء وَرِجال أكفياء يَعمَلون بِوَحي ضَميرِهِم الحَي مُستَنِدين إلى سُلَّم قِيَم يُفتَرَض أن نُعيدَ له المَكانَة المُستَحَقَّة في ​السياسة​ والاقتِصاد والادارة والأعمال، كَما في سُلوكيّاتِنا اليَوميّة.

فَهَل نَحنُ مُستَعِدّون؟!