تلقّى كلّ من الحزبين المسيحيّين الأوسع تمثيلاً، أي كل من "التيّار الوطني الحُرّ و"القوات اللبنانيّة"، الدعوة التي وجّهها رئيس مجلس النواب ​نبيه برّي​ لعقد جلسة الأربعاء المُقبل، لكلّ من لجان الدفاع الوطني والداخليّة والبلديّات، والإدارة والعدل، والمال والموازنة، بهدف مُتابعة درس إقتراحات القوانين الخاصة بالإنتخابات النيابيّة، بكثير من الإستغراب على صعيدي التوقيت والمَضمون. وقد حمّل كل من "التيّار" و"القوات" هذه الدعوة أبعادًا غير تلك الظاهرة، وباشرا التباحث داخليًا وبعيدًا عن الأضواء، لإتخاذ القرارات المناسبة بشأنها، والتي قد تكون تصعيديّة! فماذا في المَعلومات؟.

أوّلاً: الإمتعاض كبير لدى القوى الحزبيّة المسيحيّة لأنّ تركيز رئيس السُلطة التشريعيّة، وبدلاً من أن يكون على سُبل مُعالجة المشاكل الكارثيّة القائمة، في ظلّ إستمرار تعثّر ولادة الحُكومة، وفشل التحقيق الجنائي للحسابات في مصرف لبنان، ينصبّ على فتح ملفّ خلافي بإمتياز قبل ما لا يقلّ عن سنة ونصف من موعد الإنتخابات، علمًا أنّ لبنان في غنى حاليًا عن أيّ مشاكل إضافيّة!.

ثانيًا: على الرغم من الخلافات الكُبرى بين كلّ من "التيّار" و"القوات" على العديد من الملفّات، فإنّهما يلتقيان على أنّ ​قانون الإنتخابات​ الحالي، أعاد لصوت الناخب المسيحي قيمته في عدد كبير من الدوائر، وأمّن-بغضّ النظر عن بعض الثغرات، الحد الأدنى المَقبول لمعرفة حجم التمثيل الطائفي لكل حزب وشخصيّة، بعكس القوانين السابقة التي كانت تجعل هذا الصوت بالتحديد مُلحقًا، وغير ذي قيمة إنتخابيّة تُذكر. ولا يُمانع "التيّار" و"القوات" فتح ملفّ قانون الإنتخابات للنقاش، بشرط أن يكون التوقيت مناسبًا، والمَضمون غير إستفزازي، وذلك على الرغم من أنّ الدول المُحترمة لا تُبدّل قانونها الإنتخابي عشيّة كل دورة إقتراع بهدف مُحاصرة قوى وشخصيّات سياسيّة ربحت في الإنتخابات، وتعويم قوى وشخصيّات سياسيّة خسرت فيها!.

ثالثًا: إنّ الدعوة إلى جلسة الأربعاء تتضمّن دراسة إقتراح قانون مُقدّم من النائبين ​أنور الخليل​ وإبراهيم عازار، وإقتراح قانون مُقدّم من كلّ من النوّاب ​نجيب ميقاتي​ ونقولا نحّاس و​علي درويش​. وليس بسرّ أنّ قانون الإنتخابات الجديد الذي أعدّته كتلة "التنمية والتحرير" يقوم على إعتماد ​النسبية​ المُطلقة من دون صوت تفضيلي، على أن يكون لبنان كلّه دائرة إنتخابية واحدة، أي أنّ محدلة الطوائف والمذاهب الكبرى ستكتسح الإنتخابات بكاملها، من دون أيّ قُدرة لأي جهة على مُواجهتها. كما تتضمّن جلسة الأربعاء أيضًا الدعوة إلى دراسة إقتراح قانون إنتخاب أعضاء مجلس الشيوخ المُقدّم من النائبين أنور الخليل وإبراهيم عازار، في مُحاولة لإرضاء "الحزب الإشتراكي" وجعله مؤيّدًا لتغيير قانون الإنتخابات، عبر إغراء الطائفة الدُرزيّة بمنحها رئاسة مجلس الشيوخ. واللافت أنّ الإصرار على عقد الجلسة واضح، حيث جاء في مَضمون الدعوة أنّه ما لم يكتمل النصاب في الموعد المُحدّد، تجتمع اللجان عند الساعة الحادية عشرة من اليوم نفسه بثلث أعضائها.

رابعًا: لا يُمكن فصل توقيت ومضمون دعوة رئيس مجلس النواب المَذكورة عن سياسة إستهداف حُقوق المسيحيّين كمُشاركين أساسيّين في حُكم لبنان وفي تقرير مصيره، لأنّه ما أن طرح البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بُطرس الراعي مُبادرة تهدف إلى إعلان حياد لبنان، حتى تحرّكت بعض القوى التي تعوّدت على تهميش الحُقوق المسيحيّة، لتُطالب بتغيير النظام السياسي اللبناني ككلّ، ولتسعى لفرض رأي الأغلبيّة العدديّة على الأقليّة، أي ضرب الديمقراطيّة التوافقية بسيف ديمقراطيّة عدديّة لا تتناسب مع ديموغرافيا لبنان، وذلك تحت ستار إلغاء الطائفيّة السياسيّة حينًا، وتحت ستار إعتماد قانون إنتخابي خارج القيد الطائفي حينًا آخر.

خامسًا: من الواضح أنّه يُوجد إستغلال غير بريء للنقمة الشعبيّة الحاليّة على الطبقة السياسيّة، لمُحاولة تمرير خُطوة تغيير قانون الإنتخاب، عبر إيهام الناس المُحتجّين في الشارع أنّ القانون الحالي يُعيد الطبقة السياسيّة نفسها، بينما القوانين الجديدة المُقترحة تؤمّن فرصة للتغيّير، وهذا بحد عينه تزوير خبيث للواقع. فالقانون الحالي النسبي وفق دوائر صغيرة، يُمكن أن يؤمّن وُصول شخصيّات جديدة غير حزبيّة، في حال أمّنت هذه الأخيرة الحد الأدنى من التمثيل الشعبي في الدوائر التي ستترشّح فيها، بينما القوانين المُقترحة لن تسمح سوى للقوى الحزبيّة الكبرى بالوُصول إلى ​المجلس النيابي​، لأنّ الدوائر ستكون موسّعة جدًا، ولا قُدرة للمرشّحين المُنفردين أو حتى للهيئات وللتجمّعات الصغيرة، بخوض غمارها بنجاح.

سادسًا: "التيّار" و"القوات" سيلتقيان مُجدّدًا مُرغمين على رفض ضرب الدُستور وميثاق العيش المُشترك، وخُصوصًا على رفض العودة بعقارب الساعة إلى الوراء، وتحديدًا إلى زمن إضطهاد المسيحيّين وتزوير مُمثّليهم الحقيقيّين، عبر قوانين إنتخابيّة غبّ الطلب، تدّعي العلمانية والخروج من عقد الطوائف والمذاهب، في حين أنّها عمليًا تفرض حُكم الطائفة الأكبر والمذهب الأوسع! والخيارات كلّها مفتوحة أمام "التيّار" و"القوات" لإفشال هذا المخطّط، ومنها الإنسحاب من الجلسة، وسحب الميثاقيّة عنها. وهنا يظهر عُقم الإستقالة العشوائيّة لنوّاب حزب الكتائب وبعض النوّاب المُستقلّين المسيحيّين، لأنّ القوانين التي يسعى البعض لإقرارها، لا تُمثّل إطلاقًا ما طالب به النوّاب الذين إستقالوا، والذين باتوا عاجزين حاليًا عن التصدّي عمليًا لمُحاولات تغيير وجه لبنان عبر تمرير قوانين إنتخابيّة تفرض الغلبة.

في الختام، من المُرجّح أن يُمثّل يوم الأربعاء المُقبل، محطّة جديدة للإضاءة على الإنقسام الطائفي في لبنان، حيث يُنتظر أن يتصدّى عدد كبير من النوّاب المسيحيّين لمُحاولة العودة إلى قوانين إنتخابية ترمي إلى تهميش صوت الناخب المسيحي الإنتخابي مُجدّدًا، أي تهدف عمليًا إلى قمع المسيحيّين وإضطهادهم-كما حصل بين العامين 1990 و2005، في ضرب لتوازنات لبنان الهشّة والحسّاسة والتي دفع الجميع كلفة باهظة لتأمين الحدّ الأدنى من التوازن فيها.