على وقع حالة المراوحة القائمة على المستوى الحكومي، تطرح الكثير من الأسئلة حول ما إذا كان رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​ مقتنع فعلياً بقدرته على تشكيل حكومة بالشروط التي يطرحها، لا سيّما لناحية تسميته جميع الوزراء بالرغم من أنّه لم يعد زعيم الغالبيّة النّيابية منذ شهر أيار من العام 2018.

منذ البداية، لم يكن رئيس الحكومة المكلّف راغبا في الخروج من ​السراي الحكومي​، لولا الضغوط الأميركيّة التي أجبرته على ذلك في سياق مشروع الضغوط القصوى، التي كانت ​واشنطن​ تريد من خلالها فرض تنازلات على الداخل ال​لبنان​ي، على وقع التحركات الشعبيّة التي انطلقت في السابع عشر من تشرين الأول من العام الماضي، الأمر الذي دفعه إلى القيام بأكبر عملية حرق أسماء لمرشحين ل​رئاسة الحكومة​ في تاريخ الجمهورية.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن الحريري لم يخرج من معادلة "أنا أو لا أحد"، نظراً إلى أنّه يدرك أنّ حضوره في المعادلة السياسية من خارج السراي الحكومي، لن يكون بالشكل الذي سيكون عليه فيما لو كان داخله، بالرغم من التحدّيات التي يواجهها على أكثر من صعيد، خصوصاً لناحية فقدانه الحاضنة الإقليميّة بسبب التوتّر الذي يطغى على علاقاته مع المملكة العربيّة السعوديّة.

وتلفت هذه المصادر إلى أن ليس هناك من معطيات عمليّة تعطي رئيس الحكومة المكلف الحقّ برفع سقف شروطه عالياً، لا على المستوى الداخلي ولا على المستوى الخارجي، فلا التحالف السياسي الذي كان ينتمي إليه، أيّ قوى الرابع عشر من آذار، يملك الأكثريّة النّيابية، ولا هو يحظى بمروحة واسعة من التحالفات تستطيع أن تؤمّن الثقة لأيّ تشكيلة حكوميّة يقدّمها، في حال وافق ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ على توقيع مرسومها، ولا هو في الأصل يستطيع أن يقدّم نفسه مرشّحاً من خارج الطبقة السّياسية، لكي يحظى بدعم شعبي لعودته.

وبالتالي، ترى المصادر نفسها أنّ الحريري سيضطر، في نهاية المطاف، إلى إبرام تسويات شبيهة بتلك التي قام بها عند تسميته، حيث لم يتردّد في التواصل مع العديد من ​الكتل النيابية​ لضمان حصوله على أصوات نوّابها، رغم أنّ عدد أعضائها لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، بعد أن تخلّى عن شرط تسميته من قبل كتلة نيابية مسيحيّة وازنة، تكتل "لبنان القوي" أو تكتل "​الجمهورية القوية​".

في ظلّ هذا الواقع، قد يكون من المنطقي السؤال عن الأسباب التي دفعت برئيس الحكومة المكلف إلى ترشيح نفسه لهذا المنصب، كمرشح طبيعي بحسب ما أعلن، طالما أنّه كان يدرك مسبقاً عن ظروف تأليفه، بالشروط التي يطرحها، وهي غير متوفرة؟.

من وجهة نظر أوساط سياسية متابعة، الحريري كان يريد حجز موقع له في أي تسوية سياسية قد تحصل بعد ​الانتخابات​ الرئاسيّة الأميركية، نظراً إلى أن كل المعطيات كانت تشير إلى أنّها قادمة بغض النظر عن هويّة الفائز في تلك الانتخابات، نظراً إلى أن المرشحين، الرئيس الحالي ​دونالد ترامب​ والرئيس المنتخب ​جو بايدن​، كانا قد أعلنا مواقف واضحة على هذا الصعيد، وبالتالي هو كان يريد أن يضمن ورقة التكليف في جيبه كي لا يكون المتضرّر الأول من أيّ تحولات جديدة.

بالتزامن، تلفت هذه الأوساط إلى معطى آخر، ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار، يتعلق بالعلاقة التي تجمع منافسه الأول على الزعامة السنّية في لبنان، أي شقيقه رجل الأعمال ​بهاء الدين الحريري​، بالرئيس الأميركي المنتخب، وترى أن رئيس الحكومة المكلّف ربما أراد أيضاً، في ظلّ الترجيحات التي كانت تتحدث عن تقدم بايدن، أن يقطع الطريق مسبقاً على شقيقه.

في المحصّلة، تعتبر الأوساط نفسها أنّ العائق الأساسي، الذي يحول دون ولادة الحكومة، يكمن بأنّ بالحريري لم يتحرّر، حتى السّاعة، من الضغوط الأميركيّة، نظراً إلى تهديده من قبل إدارة ترامب بوضعه على قائمة العقوبات، في حال ذهب إلى تشكيل حكومة يتمثّل فيها "​حزب الله​"، الأمر الذي يفرض معادلة انتظار تسلّم إدارة الرئيس الأميركي الجديد للسلطة، ما يعني أن تحرير الحكومة ينتظر تحرير رئيسها.