لفت المفتي الجعفري الممتاز ​الشيخ أحمد قبلان​ في رسالة الجمعة الى أن "​الدولة​ تحوّلت الى حطب ب​الفساد​ السياسي، وهو ما عانينا منه بالأمس وما نعاني منه في أيامنا هذه، وكأن المقصود إخراج الناس عن دينها وسماحة أخلاقياتها وأمانة عيشها، وهو تماماً ما نعيشه ونشهده في هذا البلد على مدى عقود طويلة من السياسات الفاسدة والسلوكيات المنحرفة والشهوات المجنونة، مما أدّى إلى تنشئة أجيال من الساسة الساقطين أخلاقياً، همّها حب السيطرة والتسلّط بكل المقاييس والمعايير، وكان أخطرها ولا زال هو العنوان الطائفي الذي زعزع أركان الدولة وخلخل ثوابت الوطن التي لا يمكن أن تعود إلى صلابتها ومتانتها ما لم نحررها من هذا النظام الطائفي الذي إذا ما استمر على هذه الوتيرة من الحدة في الانقسام، والشراسة في المتاجرة، فسنفقد جميعاً ك​لبنان​يين هويتنا الوطنية وجغرافيتنا اللبنانية".

وذكّر المفتي قبلان محذراً "القابضين على أمر البلد والمتحكمين بشؤون الناس والمتلاعبين بمصيرهم، والظالمين لأنفسهم وللناس"، مضيفا: "نعم اتقوا الله يا من تعاقبتم على حكم البلد وتناوبتم على سرقة الدولة ومرافقها فنهبتم أموالها وأكلتم حقوق الناس فجوّعتموهم وحرمتموهم حتى حبّة ​الدواء​، وأوقعتموهم في مآزق وأزمات معيشية واقتصادية واجتماعية مالية ونقدية ومصرفية لم تعد مقبولة، ولا يمكن السكوت عنها أو إدارة الظهر لهذا الواقع المأساوي والمأزوم، والذي بات مستعصياً بفعل وسلوك حيتان الفساد السياسي والاقتصادي والأخلاقي، الذين تعاطوا مع البلد كأنه شركة مملوكة، لا بل كمزرعة سائبة، لا من يراقب أو يحاسب أو يخجل أو يصارح اللبنانيين بكل جرأة وشجاعة فيقول: نعم لقد سرقناكم أيها ​اللبنانيون​، لقد أوصلناكم إلى أوضاع غير مسبوقة وأخذناكم إلى أحوال مخيفة ومرعبة من الإفقار والاحتكار، لقد خدعناكم وجوّعناكم، فسيبنا الدولة، وتحكمنا بالمؤسسات وصادرنا ​القضاء​ وتلاعبنا ب​السلطة​ وتاجرنا بكم وبأموالكم ومدخراتكم، لقد قسّمناكم أيها اللبنانيون بالتحريض والخطابات الطائفية والشعارات المذهبية، فعذراً منكم ومن شهداء لبنان وفقراء لبنان وأيتام لبنان وشباب لبنان الذين ضاقت بهم سبل العيش، فوجدوا أنفسهم أمام المصير المجهول. نعم عذراً من كل لبناني ولبنانية دفع ودفعت ثمن ارتكابات، تعمّدت هذه الطبقة السياسية اقترافها عن سابق تصور وتصميم، لأنها آمنت بمصالحها وليس بمصلحة وطن، فاختارت ​المحاصصة​ نهجاً وعرفاً، بدل الكفاءة والمواطنة مبدأً ودستوراً"، متسائلا "فهل تجرؤون على الاعتراف أيها السياسيون بهذا الفشل الذريع في بناء دولة! في تشكيل حكومة بعد كل هذه المصائب والبلاءات! هل تجرؤون على الإصلاح أو على محاسبة مسؤول واحد، أو على كشف حقيقة واحدة! للأسف الشديد لا، إنكم أعداء الإصلاح، والمعادلة لديكم أصبحت ثابتة، إما أنتم كما أنتم وإما إفلاس البلد وانهياره أيها اللبنانيون، فاختاروا، ولا تأملوا بحكومة قريبة ولا بإصلاح، طالما القرار ليس وطنياً، وطالما الإرادة مرتهنة، بل انتظروا المزيد من التجويع والاستنزاف، وقد تذهبون إلى أبعد من ذلك بكثير، وربما إلى فوضى مدمرة، بدأت ظواهرها بفرار ​سجناء​ ​بعبدا​، ولا مدير أمني يحاسب أو يستقيل لأنه مدعوم حزيباً ومذهبياً، ولأن الضمير مفقود، والحسّ الوطني مسترهن، والثقة بين الأفرقاء السياسيين معدومة، وما نحن فيه وضع كارثي، وبكل المعايير، ولا يمكن الخروج منه إلا بأعجوبة إلهية، في بلد تعطّلت فيه لغة المنطق والقانون و​الدستور​، وأضحت الدولة والسلطة و​الحكومة​ كلمات بلا مضمون، ومسميات بلا معنى".

ووجه المفتي قبلان تساؤلات للسياسيين بالقول:"فإلى متى تناورون أيها السياسيون؟ وإلى أي حدّ ستسمرون في خذلان شعبكم ووطنكم وتقويض وتطويب دولتكم؟ ألم يحن الوقت بعد لأن تراجعوا حساباتكم وتقولوا لأنفسكم كفى فساداً، كفى طائفية، كفى ظلماً، كفى انقسامات ونكايات، كفى نهباً و​سرقات​ وصفقات ومحاصصات. فالبلد لم يعد يحتمل، والناس لم تعد قادرة على التحمّل، فلنسرع جميعاً إلى موقف يجمعنا في التطلع نحو رؤية وطنية ضامنة، وخطة إنقاذية، تعبر بنا بخطى ثابتة نحو ضفة آمنة، تؤسّس لنقلة نوعية باتجاه وطن حاضن ودولة واعدة، وحكومة بمؤهلاتها وكفاءاتها قادرة أن تقود ​السفينة​ نحو شاطئ ​الأمن​ والأمان، وتحميها من الغرق في لجة الأنواء التي تعصف بالمنطقة، وتؤشّر لمشهدية جديدة من المآسي والنكبات والويلات!"

واضاف: "لذلك، وليس من باب التخويف أو التهويل، ولكن من المؤكّد أن لبنان الماضي قد انتهى، ونحن الآن أمام مخاض لبنان الهجين، لبنان المفلس، لبنان الملعب، لبنان الهوية الضائعة، لبنان الفوضى، لبنان المأزوم بخلفيات دولية وإقليمية ومحلية تريد للبنان أن يسقط في أزماته، من أجل إعادة تكوينه على أساس فدراليات ومتاريس نفوذ تخدم التحول العربي الإسرائيلي الذي كرّس جغرافيا العرب وأسواقها وأمنها لصالح ​تل أبيب​".

وحذّر المفتي قبلان اللبنانيين "من قرار دولي إقليمي بإغراق البلد بالأزمات، فما يجري حولنا من اقتطاع ​سوريا​ عن لبنان، وخنق الممرات الشرقية، ومحاصرة لبنان بالمبادرات، خاصة العربية، هي أكبر دليل على أن لبنان مقبل على أزمات مفصلية وعلى سياسات استنزاف هائلة".