عادت أزمة التشكيل إلى حلبة الصراع السياسي في ​لبنان​، بعد ​تكليف​ ​سعد الحريري​ تأليف ​الحكومة​، وذلك يوم الخميس ٢٢ / ١٠ / ٢٠٢٠. ومنذ ذلك الحين، خلافاتٌ وتجاذباتٌ وفرض شروط ومطالبة بحصص وزارية، أدت سابقاً إلى اعتذار رئيس الحكومة المكلف ​مصطفى أديب​ عن ​تشكيل الحكومة​ يوم السبت ٢٦ /٩ / ٢٠٢٠.

وبعد تكليفه، أعلن الحريري التزامه بالمبادرة الفرنسية التي أطلقها الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​، وأنه سيشكل ​مجلس وزراء​ من اختصاصيين من غير الحزبيين. وأن مهمة الحكومة ستكون تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية الواردة في ورقة المبادرة الفرنسية، والتي التزمت بها غالبية الكتل الرئيسية في البرلمان. وبدوره حذّر ماكرون من أن لبنان سيواجه خطر "الزوال" في حال لم تنفذ الإصلاحات العاجلة المطلوبة.

وفي رسالته إلى ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ في ذكرى ​الاستقلال​، شدّد الرئيس ماكرون على "أنّ الازمة المتعددة الجوانب التي يجتازها لبنان، على مختلف الصعد الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وكذلك السياسية، تستدعي اتخاذ تدابير قوية، والحلول معروفة برأيه: وهي تكمن في وجوب وضع خريطة الطريق التي التزمت بها كافة الأطراف السياسية في الأول من أيلول موضع التنفيذ"، مشيراً إلى "أن خريطة الطريق هذه تجيب في آن معا على متطلبات أصدقاء لبنان الصادقين، كما على الانتظارات المشروعة التي عبّر عنها ​الشعب اللبناني​".

وفي سياق متصل، فإن ​مجموعة الدعم الدولية للبنان​ مستاءة من التأخير المستمر في تشكيل حكومة جديدة قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة بشكل عاجل ومواجهة المحن المتفاقمة.

إن فوز المرشح الديمقراطي في ​الانتخابات الرئاسية​ الأميركية ​جو بايدن​ قد يكون له تأثيرٌ مباشر أو غير مباشر على لبنان، من خلال التمهيد لعودة ​الاتفاق النووي​ بين ​واشنطن​ وطهران، ما يؤدي إلى تخفيف الضغوط على ​إيران​ و​حزب الله​، وإلى تسهيل عملية تشكيل الحكومة اللبنانية.

في المقابل فإن تداعيات تأجيل تشكيل الحكومة اللبنانية ​الجديدة​، تزيد من سوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، فنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لن تساهم بشكل مباشر في عملية وقف الإنهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي ما لم تبادر جميع الأطراف اللبنانية المتنازعة "سياسياً" نحو إيجاد حل يُخرج لبنان من أزماته.

وبالإضافة إلى أن ​العقوبات الأميركية​ على شخصيات سياسية لبنانية لا سيما رئيس ​التيار الوطني الحر​ ​جبران باسيل​، يمكن أن يكون لها ارتدادت سلبية على مسار ​تأليف الحكومة​ اللبنانية المتعثر أساساً. وبهذا تكون مشاورات تشكيل الحكومة اللبنانية قد عادت إلى نقطة الصفر، بعد أن قطعت شوطاً كبيراً، قبل الإعلان عن العقوبات ضد باسيل.

وفي ظل عدم اتضاح أي افق في شأن تعقيدات مسار تأليف الحكومة اللبنانية، والاختلاف الواضح بين عون والحريري حول تركيبة ​الحكومة الجديدة​، برز ملف التدقيق الجنائي في حسابات ​مصرف لبنان​، بعد انسحاب شركة “الفاريز ومارسال” من الاتفاق مع ​وزارة المال​، وأصبح عاملاً جديداً على خط التوتر والتشنج في مسار تأليف الحكومة.

وبين التدخل الخارجي من جهة، والنزاع الداخلي حول مكتسبات وزاربة في الحكومة العتيدة من جهة أخرى، يبقى مصير لبنان واللبنانيين مجهولاً حتى فرض تسوية من هنا أو قيام صفقة من هناك، على أنقاض وطنٍ سُرقت كل مقدراته وتهاوت كل مقوماته.