إنشغل اللبنانيون في الأيّام القليلة الماضية بملفات، أبرزها التدقيق الجنائي. بعدما بتّ ​المجلس النيابي​ أمره بإجراء يتيح للحكومة القيام بالتدقيق الشامل الكامل في كل وزارات ومؤسسات الدولة اللبنانية، فهل يعود الإهتمام الداخلي بعملية ​تأليف الحكومة​؟ كل المؤشرات توحي بإستمرار الجمود على صعيد التأليف، نتيجة التباين القائم بين رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​. لكن إلى متى بيقى الخلاف قائماً؟ وهل يتحمّل البلد مزيداً من الجمود السياسي على خط التأليف الحكومي؟ لا أحد يملك أجوبة بشأن إنفراج مطلوب في ظل تصلّب كلّ فريق برأيه، وعدم وجود إكتراث دولي فاعل بالمسار اللبناني، رغم محاولة ​فرنسا​ إحياء مبادرتها مرات عدّة، من دون نجاح باريس التي أكدّت إلتزامها بالوقوف إلى جانب اللبنانيين من خلال مؤتمر إنساني سيُعقد مطلع الشهر المقبل. لكن المؤتمر لا يسدّ حاجات لبنان. وكأن الإهتمام الدولي تحوّل من إعادة الإعمار الى الملف الإنساني.

فلنفترض أنّ الفرنسيين إقتنعوا بألاّ قدرة لهم وحدهم على فرض الحل في لبنان، رغم إستطاعة الفرنسيين وضع لبنان على بساط البحث الدولي. لكن باريس تعرف أنّ الإهتمام العالمي ليس بالساحة اللبنانية. هناك ملفات أكثر أهمية في العالم، والإقليم تحديداً، تُشغل الأوروبيين، خصوصا على خط النزاع السياسي المفتوح مع ​تركيا​. اما الأميركيون فهم يمرّون بالوقت الفاصل بين مرحلتين: ترامبيّة راحلة وبايدنية آتية. لن يكون لبنان لا على رأس أجندة ​البيت الأبيض​ ولا في متنها، في زمن توجّه الرئيس الأميركي المنتخب ​جو بايدن​ لإعتماد سياسة عالمية وسطية تختلف عن سياسة سلفه ​دونالد ترامب​. ومن هنا، تترقب باريس المرحلة المقبلة، في ظل قرار إتخذته: ممنوع إنهيار لبنان.

اما الروس الذين يستمعون الى اللبنانيين، فيبدو ايضاً أنهم قرّروا التدخل بحذر، وضمن خطوات مدروسة وصامتة. لذا، يسمع السفير الروسي في بيروت أصواتاً تطالب موسكو بالتدخل لحل أزمة لبنان السياسية القائمة، بإعتبار أن علاقات جيدة تربط ​روسيا​ بكل القوى اللبنانية.

اما العرب فحيّدوا انفسهم عن لبنان، وباتت ​دول الخليج​ غير معنية بما يجري في الساحة اللبنانية. وعلى هذا الأساس، لا يوجد مخارج تحملها العواصم الخارجية الى لبنان، كما جرت العادة، حيث كان مؤتمر الدوحة مثالاً يُحتذى به في السنوات الماضية.

من هنا، سيكون اللبنانيون وحدهم مسؤولين عن الأزمة وسيناريوهات الحل المُفترض، خصوصاً أن هناك من يجزم بأن كلّ التباينات هي داخلية تتعلق بسباق القوى لحصد مكاسب في مرحلة حسّاسة لبنانياً وإقليمياً. فماذا لو قرّر الحريري تقديم تشكيلة حكومية لرئيس الجمهورية في الأيام المقبلة؟ عندها لن يقبل الرئيس عون بالتشكيلة المفترضة، كما توحي المؤشرات. لا يوجد حينها سبيل أمام الحريري الاّ الذهاب إلى بيت الوسط والإكتفاء بالتفرّج، والقول: فعلت واجبي، وأنتظر. من دون إعتذار عن التكليف، مسنوداً إلى الدستور الذي يبقيه رئيساً مكلّفاً لتأليف الحكومة من دون أفق زمني.

يقول مطّلعون: إذا غابت المحاولات لإيجاد تسوية حكومية، سيبقى التأليف مجمّداً طيلة ما تبقى من المساحة الزمنية للعهد الرئاسي. هناك من نصح الحريري: تفرّج من دون أن تكون شريكاً حالياً للإنهيار التام. لكن المعلومات تقول إن "الشيخ سعد" لم يصل بعد الى تلك القناعة.

في الحالتين، سواء قدّم الحريري تشكيلته، أو هو لم يقدّمها، ستبقى حكومة تصريف الأعمال تقوم بالمهام، أي تمديد عمر الأزمة السياسة في لبنان التي ستنعكس سوءاً على يوميات اللبنانيين. فهل يتحمّل اللبنانيون مزيداً من الإنتظار؟ الجواب تحدّده الأسابيع المقبلة.