لطالما حاولت تُركيا الحفاظ على موارد ​المياه​ داخل بلادها، ولو مِن خلال تنفيذ مشاريع مائيّة مُجحفة في حقّ دُوَل الجوار، ما أَدّى إِلى حُدوث خلافاتٍ مع كُلٍّ مِن ​العراق​ و​سوريا​؛ حيث تتحكّم تُركيا بكميّاتٍ كبيرةٍ مِن المياه الّتي تنبع من أَراضيها، عبر إِقامة عددٍ كبيرٍ مِن السُّدود الضّخمة، وأَشهرها "سدّ أَتاتورك" الّذي أَدّى إِلى تراجُع حصّة سوريا مِن المياه، وبلوغها مستوياتٍ خطِرةٍ تُنذر بالأَسوأ، وكذلك الأَمر بالنّسبة إِلى "سدّ إِليسو"، الّذي افتُتح 2018 على ​نهر دجلة​ التُّركيّ، وقد أَدّى إِلى أَن تخسر العراق 60 في المئة مِن حصّتها في مياهه.

سدّ أَتاتورك، وبالتركيّة: (Atatürk Barajı)، هو سدٌّ على مجرى نهر الفُرات، يقع في مُحافظة "أُورفة" التُّركيّة، ويُعدّ أَحد أَكبر السُّدود الرُّكاميّة في العالم، حيث بُني في الصُّخور والخُرسانة والرّدم، ويبلغ ارتفاعه 184 مترًا وطوله 1820 م. بُدِئ في تشييد السدّ في العام 1983، وأُنجز في 1992، وأَمّا حجم المياه المُجمّعة فيه فحوالي 48 مليار مترٍ مكعبٍ، وعلى السّدّ ثمانية توربينات لتوليد الكهرباء بقدرة 2,400 ميغاواط.

بيد أَنّ مِن المُستَغرَب في "ملفّ مأساة الرّافدين"، على ما يُطلق على مسألة "شفط المياه" إِلى تُركيا، ومع تناقُص المياه الواردة إِلى سوريا إِلى أَقلّ مِن الرُّبع في تمُّوز 2020، وإِلى ما دون ذلك في العراق، عدم مُبادرة البلدَين بعد، بالسّعي إِلى تدويل قضيّة مئات السُّدود التُّركيّة طوال العُقود الماضية كما فعلت مصر بالنّسبة إِلى "سدّ النّهضة" مثلًا. أَضف إِلى ذلك أَنّ مناطق السُّدود التُّركيّة هي منطقة نشاطٍ زلزاليٍّ قديمٍ، وإِذا انهار سدٌّ تُركيٌّ أَو أَكثر، فسيُؤَدّي ذلك إِلى دمارٍ شاملٍ لشرق سوريا وغرب العراق، ويصل "الجدار المائيّ الطُّوفانيّ"، كما يُسمّيه الخُبراء إِلى ​الخليج​ العربيّ، جارفًا معه مُدنًا وقرًى كاملةً، لأَنّ "سدّ أَتاتورك" وحده، يُخزّن قُرابة 50 مليار مترٍ مُكعبٍ من المياه، ما يُعادل الإِيرادات المائيّة لـ "دجلة و​الفرات​" الآن، وحتّى عامٍ كاملٍ.

ويُمكن تخيُّل حجم الكارثة، إِذا انهار أَحد السُّدود التُّركيّة العملاقة، بسبب زلزالٍ أَو عملٍ تخريبيٍّ، بأَنّه يُعادل ما يُمكن جمعُه مِن مياهٍ عائدةٍ إِلى نَهرَيْن اثنَين، ولمُدّة عامٍ كاملٍ، ومِن ثمّ إِطلاق هذه الكميّة الضّخمة مِن المياه، في يومٍ واحدٍ ودُفعةً واحدةً!.

والحقيقة المأساويّة في هذا الإِطار، تكمُن في أَنّ تُركيا قد تمكّنت حتّى العام 2006، من تشييد 759 سدًّا، منها 208 سُدودٍ كبيرةٍ. كما وأَن ثمّة 210 سُدودٍ قد انتهت من إِنجازها الآن، وقد أَضافت إِليها "سدّ أَليصو" العملاق، على نهر دجلة، في السّنتَيْن الأَخيرتَين، وأَمّا الطّاقة التّخزينيّة للسُّدود الكبيرة، البالغ عددها 208 سدود -قبل إِنشاء سدّ أَليصو– تبلغ مساحة طاقتها التّخزينيّة 651 كلم (كتاب "الموازنة المائيّة في العراق وأَزمة المياه في العالم -ص154- الباحث فؤاد قاسم الأَمير).

والخطر الزّلزاليّ-إِضافةً إِلى خطر الحرب الدّاخليّة القوميّة في ​تركيا​ بين الدّولة والمُسلّحين الأَكراد، هُما كافيان لرفع شكوى ضدّ تُركيا، وإِلزامها عقد اتّفاقٍ لتقاسُم المياه، وتحمُّل مسؤُوليّة أَيّ كارثةٍ قد تحدث. ولكنّ الحُكومات العراقيّة والسّوريّة المُتعاقبة، رفضت طوال العُقود الماضية أَن تُدوّل الموضوع.