لم تتأخر العديد من ​الكتل النيابية​، بعد إنتهاء جلسة المجلس النيابي التي عقدت يوم الجمعة الماضي لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ بشأن التدقيق الجنائي، لتطلق مجموعة من المواقف المتناقضة من "القرار" الذي صدر عن المجلس مجتمعاً، حيث عاد الحديث عن مسرحيّة وعراضة إعلامية لن تكون مؤثّرة في مجريات الأمور.

هذا الواقع، يدفع إلى طرح أكثر من علامة إستفهام حول ما إذا كان المطلوب من هذه الجلسة دفن التدقيق لا تعبيد الطريق أمامه بعد الخلافات التي ظهرت في الماضي، أو أنه كان عبارة عن إعادة الكرة من جانب رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​، على حدّ وصف العديد من الأوساط السياسية، إلى ملعب رئيس الجمهورية من جديد.

في هذا السياق، تشير مصادر قانونية، عبر "النشرة"، إلى أنّ التوصية الصادرة عن المجلس النيابي لا تعالِج المشكلة الأساس التي ظهرت أمام شركة "ألفاريز إند مارسال"، قبل أن تقرر إنهاء مهامها في لبنان، أيّ تذرّع حاكم مصرف لبنان ​رياض سلامة​ بقانوني السرّية المصرفيّة والنقد والتسليف، في حين كان من الممكن أن يذهب المجلس إلى إقرار قانون واضح بهذا الشأن، لا سيّما أن هناك أكثر من إقتراح قُدِّم في هذا السياق.

وتلفت هذه المصادر إلى أن بعض النواب، الذين كانوا قد أعلنوا "الإنتصار" بعد قرار المجلس النيابي، ذهبوا إلى الحديث عن أن الأخير قادر على إقرار مثل هكذا قانون في حال لم تعالج المشكلة، وتسأل: "لماذا لم يذهب المجلس مسبقاً إلى قطع الشكّ باليقين، وبالتالي معالجة هذه المسألة مسبقاً، لا سيما أنه في الجلسة نفسها عمد إلى إقرار إقتراح قانون متعلق بشهداء وجرحى إنفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب الماضي"؟.

بالنسبة إلى المصادر نفسها، هذا الواقع يدفع إلى السؤال جدّياً عما إذا كان المطلوب من جلسة مجلس النواب معالجة المشكلة، أم المزايدة الإعلاميّة التي سمحت لجميع الكتل النيابية بالإعلان عن تأييدها التدقيق الجنائي، لا بل الذهاب بعيداً في ذلك عبر الدعوة إلى أن يشمل مختلف الإدارات والمؤسسات العامة والمصالح المستقلة والصناديق والبلديات، الأمر الذي يدفع إلى السؤال عمّن يغطي ​الفساد​ طالما أن الجميع يريد محاربته؟.

بالتزامن، تضع المصادر القانونية الكثير من علامات الإستفهام حول توسيع دائرة التدقيق، خصوصاً أن الوزارات والمؤسسات العامة تخضع للمحاسبة عبر أجهزة الرقابة، ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي والنيابات العامة الماليّة والتمييزيّة ومجلس الخدمة المدنيّة، وبالتّالي التدقيق فيها لا يحتاج إلى أيّ إتفاق مع شركة عالميّة، بل إلى تفعيل تلك الأجهزة لتتمكن من القيام بواجباتها على هذا الصعيد، لا سيّما أنّ المشاكل التي تعاني منها، منذ سنوات طويلة، معروفة.

من وجهة نظر هذه المصادر، التوسيع الذي حصل، من المرجّح، أن يكون هو البوابة لمنع حصول أي تدقيق، لا سيّما في ظلّ عدم مبادرة المجلس النيابي إلى معالجة المشكلة الأساس، أيّ تعديل القوانين التي كانت سبب الأزمة، أو الّتي تمّ التحجّج بها من قبل مصرف لبنان، وبالتّالي تكون القوى السّياسية قد نجحت في تحقيق هدفها مع عراضة إعلاميّة أوهمت من خلالها اللبنانيين أنها حريصة على أموالهم.

في المحصّلة، الأيام المقبلة ستكون كفيلة بكشف نتائج ردّ المجلس النيابي على رسالة رئيس الجمهورية، والأسباب الكامنة خلف عدم ذهابه إلى إقرار أيّ من إقتراحات القوانين المقدّمة لرفع السرّية المصرفيّة أو تعليقها لمدة زمنيّة محدّدة، إلا أنّ المرجح، على الأقل حتى الآن، هو النيّة السّيئة في ذلك.