منذ فترة طويلة، غابت الأجواء الإيجابيّة عن المواقف المتعلّقة بتشكيل الحكومة العتيدة، بعد أن كان يحرص كل من رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ على تعميمها، في الأيام الأولى من التكليف، حتى بات من المسلم به، بالنسبة إلى الكثيرين، أن ولادتها لن تكون قبل بداية العام المقبل، ربطاً بتسلّم الرئيس الأميركي المنتخب جو بادين مقاليد السلطة في بلاده.

في هذا السياق، ليس هناك من هو قادر على النقاش في أولوية تشكيل الحكومة، حيث يعمد جميع الأفرقاء على التأكيد على ضرورة ذلك بأسرع وقت ممكن، نظراً إلى الظروف المالية والإقتصادية السائدة في البلاد، بالإضافة إلى التداعيات الإجتماعية والأمنية المحتملة من جراء ذلك، لا سيما مع التوجه إلى رفع أو ترشيد الدعم على السلع الأساسية، لكن في المقابل هناك خلاف واضح بين هؤلاء على تحديد مصدر العراقيل التي تحول دون ولادتها.

قبل أيام، كان المدير العام للأمن العام ​اللواء عباس إبراهيم​، العارف في تفاصيل ما يجري على الساحتين الإقليمية والدولية، حاسماً في تأكيد أن الأجواء الدولية لا تساعد على ولادة الحكومة، مشيراً إلى أن الضغوط الخارجية كبيرة جداً ومحاولة تأليف حكومة على وقع الأداء الدولي متقدمة على تأليف حكومة على وقع الأداء السياسي الداخلي، في حين أن رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ يردد بشكل دائم أن لا شيء من الخارج يمنع التأليف.

في هذا الإطار، تلفت مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن بري ليس وحده في هذا التوجه، حيث يتفق معه كل من رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب السابق ​وليد جنبلاط​ ورئيس الحكومة المكلّف، حيث يعمد الثلاثي على الإيحاء بأنّ المشكلة تكمن بالصراع على الحصص الوزاريّة، وتلفت إلى أنّ الحريري يذهب أبعد من ذلك عبر تعميم أجواء تفيد بأن الأزمة هي عند رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل.

في المقابل، تلفت المصادر نفسها إلى أنّ الرؤية عند "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" تختلف، حيث التأكيد على الضغوط الخارجيّة التي تحول دون التأليف، لا سيما لناحية التهديدات والتحذيرات الأميركية، إلا أنّ التعبير عنها يكون عبر الدعوة، من جانب الحزب، إلى الإتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف، والإتفاق على معايير موحدة تطبق على جميع الأفرقاء من جانب التيار، مع الذهاب، في بعض الأحيان، أبعد من ذلك، عبر الإشارة إلى أن الضغوط هي من يمنع الحريري من الذهاب إلى تقديم التنازلات المنطقيّة.

وفي حين لدى هذه المصادر قناعة بأن الأسباب الحقيقيّة التي تحول دون ولادة الحكومة هي خارجيّة أكثر مما هي داخليّة، تعرب عن مخاوفها من سيناريو قد يتمّ الذهاب إليه في المرحلة المقبلة، يقوم على أساس تقديم رئيس الحكومة المكلّف التشكيلة التي يراها مناسبة لرئيس الجمهورية من دون إتفاق مسبق معه، لتحميله في وقت لاحق مسؤولية أيّ تأخير في ولادتها، نظراً إلى أن عون لن يوافق على توقيع أيّ تشكيلة لا تراعي التوازنات المطلوبة، وهو كان قد أعلن، قبل التكليف، أنه لن يتخلّى عن دوره في التأليف.

بحسب المصادر السياسية المطلعة، الحريري كان يريد الإقدام على مثل هذه الخطوة قبل موعد إنعقاد المؤتمر الدولي لمساعدة لبنان، لكن تراجع عن ذلك بناء على نصيحة فرنسية، بحسب ما أكدت بعض الأوساط، وتسأل: "هل كان تراجعه بناء على رهان جديد يتعلق بزيارة الرئيس إيمانويل ​ماكرون​ إلى لبنان خلال الشهر الحالي أم خوفاً من تداعيات سلبية أكبر على الساحة المحلية"؟.

بالنسبة إلى هذه المصادر، رئيس الحكومة المكلف ليس في وارد الإعتذار عن ​تأليف الحكومة​ بأي شكل من الأشكال، لكنه في المقابل ليس في وارد الدخول في أيّ مغامرة غير محسوبة النتائج في ظلّ ​الإدارة الأميركية​ الحالية، وبالتالي إحتمال التأجيل بإنتظار ما قد ينتج عن زيارة الرئيس الفرنسي هو المُرجّح، نظراً إلى أنّ الأخير لن يزور لبنان، للمرة الثالثة خلال أشهر قليلة، إلا من أجل حسم التوجّه، وتذكر بأنّ الإتفاق على تكليف ​السفير اللبناني​ في برلين مصطفى أديب جاء ضمن الإطار نفسه.

في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أنّ موعد زيارة ماكرون قد يكون المؤشّر الأبرز على إحتمال ولادة الحكومة العتيدة، خصوصاً أنّ ذلك سيكون بالتزامن مع إقتراب تسلم ​بايدن​ رسمياً ​رئاسة​ ​الولايات المتحدة​، لكنها في المقابل لا تستبعد العودة إلى سيناريو ذهاب الحريري إلى تقديم تشكيلته من دون إتّفاق مع عون، في حال كان المطلوب أن يوضع رئيس الجمهورية في موقع المُعرقل للضغط عليه شعبياً لتقديم تنازلات معيّنة.