منذ سقوط الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ في ​الانتخابات الرئاسية​، يكثر الحديث يومياً عن حرب او حروب ستشهدها المنطقة، على قاعدة أنّ ترامب يريد الإيفاء بما وعد به حلفاءه، وكان يؤجّله الى ما بعد فوزه المفترض في الانتخابات، فإذ به بعد سقوطه يجد نفسه ملزماً بالإيفاء بها قبل خروجه من ​البيت الابيض​ في 20 كانون الثاني المقبل. فهل المنطقة مقبلة فعلاً على حروب من هذا النوع خلال الاسابيع القليلة المتبقية من ولاية ترامب؟

ديبلوماسيون مطلعون على السياسة الاميركية ومتتبعون للاوضاع في المنطقة والمواقف الاقليمية والدولية منها، يرون انّ «المنطق يقول ان لا خيارات عسكرية سيعمد اليها ترامب في الهزيع الاخير من ولايته، فهو جمع قبل اسبوع أركان الامن القومي، واستمزجهم الرأي في ضرب مفاعل «ناتنز» النووي ال​ايران​ي، فردّوا ناصحينه بصرف النظر عن هذه العملية غير المعروفة العواقب».

لكن هؤلاء المطلعين يرون، انّ ترامب في حالته النفسية الصعبة التي يعيشها بعد سقوطه في الانتخابات، قد يُقدم على خيارات عسكرية، الّا انّ القريبين منه يحاولون تهدئته، ويبدو انّهم نجحوا في اقناعه بعدم الدخول في حرب في المنطقة، خصوصاً أنّه كان وعد ايام حملته الانتخابية بسحب الجيوش الاميركية من العالم، وهو كان خفّض عديد هذه الجيوش في ​افغانستان​ و​العراق​، ما دلّ الى أنّه ينسحب ولن يدخل في حروب جديدة.

ما يفعله ترامب، يقول هؤلاء، هو أنّه يحاول تحدّي ايران وتهديدها، وتلاقيه في هذا التحدّي ​اسرائيل​، المدركة ضمناً انّها لا تستطيع الذهاب الى حرب ضدّ ايران بلا دعم الاميركي، علماً انّها ذاهبة الى انتخابات جديدة لا تفيدها فيها اي حروب، خصوصاً ضدّ الجمهورية الاسلامية الايرانية التي رغم اغتيال احد علمائها النوويين الكبار ​محسن فخري زادة​، لا ترى مصلحة لها الآن في اي حرب، حيث انّها تنتظر تولّي الرئيس الاميركي الجديد ​جو بايدن​ مقاليد الرئاسة الشهر المقبل، لأنّه يريد التفاوض معها، كونه كان مهندس ​الاتفاق النووي​ معها عام 2015، قبل ان يخرج ترامب منه قبل أكثر عامين.

ويذهب بعض هؤلاء الديبلوماسيين الى القول، انّ احتمالات نشوب حرب في المنطقة هي بنسبة 5%. ولكن الاعتقاد الراجح في المقابل، هو ان لا مصلحة لترامب ولا لاسرائيل، التي تستعد لانتخابات جديدة، في شن حرب قد تدفع فيها أثماناً كبيرة. علماً انّ ايران التي انتظرت طويلاً فوز بايدن، لن تذهب الى هذه الحرب التي خطرت ببال ترامب في لحظة ما.

وماذا عن مستقبل الوضع ال​لبنان​ي في ضوء قرار ​المجلس النيابي​ بالتدقيق الجنائي في حسابات ​مصرف لبنان​ وكل الوزارات و​الادارات العامة​ والمصالح المستقلة والبلديات؟

يجيب المطلعون على الموقف الغربي عموماً من الاوضاع في لبنان، أنّ هذا التدقيق لن يحصل، لأنّه اذا كان سيشمل حسابات مصرف لبنان ومختلف الوزارات والادارات العامة، فإنّ نتيجته سيأتي بألفي متهم على الاقل من الطبقة السياسية الى المحاسبة. وانّ الاميركيين والفرنسيين يدركون انّ مثل هذا الامر اذا حصل سيؤدي الى تغيير جذري في الدولة والسلطة. لذلك يقفون الآن حائرين متسائلين عمّا يمكنهم ان يفعلوه في هذا الصدد. فعلى رغم من تسريباتهم معلومات في الاعلام الغربي وحتى العربي عن فساد هذا وذاك من المنظومة السياسية في لبنان، لم يتخذوا حتى الآن اي قرار عملي في ظلّ الاعتقاد العام السائد انّ لديهم ملفات فساد لهذه المنظومة لا تُعدّ ولا تُحصى. إلا انّ ما يقومون به، انّهم من حيث المبدأ يدفعون في اتجاه ان يتمّ تأليف حكومة جديدة مضمونة وموثوقة، يمكن ائتمانها على المساعدات الدولية حتى لا يقع لبنان في المحظور.

وفيما يبدو الداخل اللبناني منقسماً حول طبيعة ​الحكومة الجديدة​، فإنّ رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ بدأ يلمّح الى امكان تعويم حكومة الرئيس ​حسان دياب​ المستقيلة، عبر توسيع النطاق الضيّق لتصريف الاعمال الذي تمارسه، وذلك في حال ظلّ ​تأليف الحكومة​ الجديدة متعذراً.

وفي المقابل، ينفي مطلعون على الموقف الاميركي ان تكون واشنطن هدّدت الرئيس المكلّف ​سعد الحريري​ بفرض عقوبات عليه في حال عيّن وزراء لـ»حزب الله» او من يسمّيهم في الحكومة، مدرجين هذا الامر في سياق التنافس على تقاسم توزيعة التشكيلة الوزارية الجديدة.

الاميركيون يساندون الفرنسيين الى حدّ كبير في مبادرتهم لحلّ الازمة اللبنانية، حسب الديبلوماسيين المواكبين لمواقف الطرفين. لكن اهتمام واشنطن الاساسي يتركّز على ملف ​ترسيم الحدود​ البحرية بين لبنان واسرائيل من جهة، وضمان عدم انهيار لبنان كلياً من جهة ثانية، لأنّ لا مصلحة اميركية استراتيجية في ذلك. أما الفرنسيون فهم ايضاً يحرصون ويعملون على منع انهيار لبنان، ولكنهم في الاساس مهتمون بضمان موطئ قدمهم في لبنان، لأنّه لم يعد لديهم غيره في ساحة ​الشرق الاوسط​. ويسود خلاف فرنسي ـ اميركي حول مقدار حصّة «حزب الله» وحلفائه في الحكومة العتيدة، ولكن هناك حواراً مستمراً بين الجانبين في هذا الصدد، لأنّ هذا الخلاف ليس كبيراً. ففيما الفرنسيون يتفهمون طبيعة الوضع اللبناني وخصوصيته وواقع «حزب الله» فيه كفريق سياسي وازن، فإنّ الاميركيين في الوقت نفسه يدركون انّه لا يمكن الغاء الحزب في اي معادلة سياسية او حكومية لبنانية، خصوصاً انّه يحظى بتأييد الغالبية الشيعية في لبنان، وبالتالي لا يمكنهم الذهاب بعيداً في الموقف الداعي الى عدم مشاركته في الحكومة، وسيقبلون في النهاية بـ»حل وسط»، لادراكهم أنّ أي حكومة ستخضع لتأثير القوى السياسية عليها بنسب متفاوتة من هنا ومن هناك، ولكنهم يريدون لهذه الحكومة «ان تضمن عدم التفريط بأي مساعدات دولية جديدة للبنان» حسب المطلعين انفسهم.

ويكشف سياسيون، انّ بعض العواصم الغربية بعثت برسائل مباشرة وغير مباشرة الى «حزب الله» وحلفائه وأفرقاء آخرين، تفيد انّ ​الولايات المتحدة الاميركية​ وحلفاءها سيلومونهم ويحمّلونهم المسؤولية عن التأخير في تأليف الحكومة الجديدة، لأنّهم يدعمون موقف رئيس «التيار الوطني الحر» النائب ​جبران باسيل​، الذي تعتبره واشنطن «المعرقل الأول والأخير» لولادة الحكومة»، والمتسبب بتعثر مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، وذلك كردة فعل منه على العقوبات الاميركية التي فُرضت عليه. ويقول هؤلاء السياسيون، انّ حلفاء باسيل يتفهمون موقفه من جهة، ولكنهم في الوقت نفسه يرغبون في أن تحصل حلحلة في موضوع التأليف، بما يؤدي الى ولادة الحكومة في وقت ليس ببعيد. ولكن كل المؤشرات تدل الى الآن انّ هذا الملف كان ولا يزال يتقلّب من عقدة الى أخرى ومن فشل الى آخر، وذلك الى أجل غير معلوم...