كثر في المرحلة الأخيرة الحديث عن أخطار أمنيّة وإرهابيّة تُهدّد ​لبنان​، من دون إستثناء حُصول إغتيالات لشخصيّات سياسيّة وعسكريّة، إلخ. وقد تضاعفت المخاوف لدى الكثير من المُواطنين بعد توقّع-أو أقلّه عدم إستبعاد، أكثر من مسؤول سياسي ومسؤول أمني سابق، خضّات أمنيّة وإغتيالات. فهل هذه المخاوف صحيحة، أم أنّها مُجرّد أقاويل غير مَبنيّة على أيّ إثباتات؟.

بداية لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ جمع كل المخاطر الأمنيّة، وتصنيفها ضُمن سلّة واحدة، هو خطأ جسيم، لأنّ هذه الأخطار مُوزّعة على أكثر من خطّ، لكلّ منها إعتباراته وأسبابه وحتى تداعياته وإرتداداته. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:

الخط الأوّل يتمثّل بمخاطر الجرائم التقليديّة، وهو خطر تضاعف في الأشهر الماضية، حيث إرتفعت أعداد ​السرقات​ ومُحاولة السطو المُسلّح وحتى جرائم الخطف والقتل. ويُوجد أكثر من تحذير لدى الأجهزة الأمنيّة المُختصّة أنّ من شأن إزدياد حالات ​البطالة​ و​الفقر​ والعوز، خاصة في حال رفع الدعم عن الأدوية والسلع الحيويّة-كما يتردّد، أن يُؤدّي إلى زيادة الأعمال الجُرميّة بشكل تلقائي.

الخط الثاني يتمثّل بمخاطر الجرائم ذات البُعد الإرهابي، حيث كشفت التحقيقات التي تلت "جريمة كفتون" الأخيرة، وُجود "خلايا نائمة" إرهابيّة مُتفرّقة في أكثر من منطقة في لبنان. وكلّما كان الوضع السياسي في لبنان هشًّا -كما هي الحال اليوم، وكلّما كانت الأوضاع الإجتماعيّة مأساويّة- كما هي الحال اليوم أيضًا، كلّما كانت البنية المُجتمعيّة اللبنانيّة مُعرّضة للإختراق من أجهزة إستخبارات خارجيّة، لضرب الإستقرار الأمني، ولمُحاولة توتير الأوضاع بشكل كامل، من خلال تنفيذ هجمات إرهابيّة، إن ضُدّ أهداف مدنيّة أو عسكريّة أو أي بُنى تحتيّة ومؤسّسات رسميّة، إلخ. وهذه المخاطر تزداد وتتضاعف عشيّة وخلال مرحلة الأعياد الرئيسة، بسبب إمكان إيقاع عدد أكبر من الضحايا، في حال النجاح بتنفيذ أيّ عمل إرهابي ضُدّ أي من التجمّعات التي تحصل عادة خلال فترة الأعياد.

الخط الثالث يتمثّل بمخاطر إرهابيّة ذات بُعد تكتيّ، حيث لا يُستبعد على الإطلاق أن تصل الأمور إلى حدّ إستهداف شخصيّات سياسيّة أو أمنيّة، لها وزنها وحُضورها في المُجتمع اللبناني، للتسبّب بمزيد من التوتّرات والمآسي على الساحة اللبنانيّة الداخليّة. وتُوجد مصلحة لأكثر من طرف خارجي، وربّما لبعض الأطراف الداخليّة، بحُصول هذا الأمر. وقد تقاطعت في المرحلة الأخيرة بعض التقارير الأمنيّة التي تتحدّث عن هذا النوع من المخاطر، والتي تكوّنت لدى أكثر من جهاز أمني رسمي لبناني، الأمر الذي دفع أكثر من جهة سياسيّة وعسكريّة إلى تعزيز إجراءات الحماية الشخصيّة وإلى الحدّ من التنقّل، لكن بشكل بعيد عن الإعلام تجنّبًا لإثارة البلبلة وزيادة القلق.

الخط الرابع يتمثّل بمخاطر خارجيّة، وتحديدًا بمخاطر إسرائيليّة حيث أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​ يُواجه مشاكل داخليّة كُبرى، ومن غير المُستبعد أن يستفيد من الفترة المُتبقية من ولاية الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​، لتنفيذ أيّ ضربة أمنيّة دقيقة -بغطاء أميركي، ضُدّ أهداف في ​لبنان وسوريا​، وذلك ضُمن الصراع المُفتوح بين إسرائيل من جهة، و​إيران​ والقوى والجماعات المُسلّحة الحليفة لها- بما فيها "​حزب الله​"، من جهة أخرى.

وممّا سبق يتبيّن أنّ أنواع المخاطر التي يُواجهها لبنان مُختلفة ومُتعدّدة، وبعضها جدّي أكثر من الآخر، علمًا أنّه على الرغم من عدم وُجود سُلطة تنفيذيّة أصيلة، فإنّ الأجهزة الأمنيّة والإستخباريّة المُختلفة المَعنيّة، تعمل على ضبط الأمن وعلى كشف أيّ ثغرات، بشكل تلقائي من دون الحاجة إلى أيّ أوامر أو توجيه من قبل السُلطة السياسيّة. وإضافة إلى تنفيذ مُداهمات إستباقيّة بشكل دَوريّ، تعمل مُختلف الأجهزة الأمنيّة على تتبع مُطلق أي معلومة صغيرة عن تهريب أشخاص عبر الحدود هنا، أو عن تنشيط خليّة نائمة هناك، أو عن رصد تحرّكات مَشبوهة هنالك، للقيام بما يلزم من إجراءات وقائيّة... كلّ ذلك بشكل بعيد عن الإعلام، بهدف عدم التسبّب بأيّ قلق للمُواطنين.

في الخلاصة، المخاطر مَوجودة وقائمة، لكنّها ليست حتميّة أو داهمة جدًا-كما يتردّد، ربما لغايات غير بريئة من قبل بعض الجهات. وفي مُطلق الأحوال الأمن في لبنان لا يزال مَمسوكًا إلى حدّ كبير، على أمل أن يبقى كذلك في المُستقبل. والأهم يتمثّل بضرورة تشكيل حكومة في القريب العاجل، حتى لا تبقى حال عدم الإستقرار قائمة، وبالتالي منعًا لتسرّبجهات مُعادية من هذه الثغرة، لضرب الداخل اللبناني.