بعد ساعات قليلة على انعقاد المؤتمر الثاني لدعم ​الشعب اللبناني​ بمبادرة من الرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​، ادلى وزير الخارجية الفرنسي ​جان ايف لودريان​ بتصريح لافت حثّ فيه المغتربين اللبنانيين على الاستمرار في دعم اقربائهم واحبائهم في لبنان. لا يعرف عن لودريان التعامل بدبلوماسيّة كبيرة حين يتعلق الامر بالخيارات لانقاذ لبنان، هو كان أعلن بصريح العبارة منذ اشهر ما كان الكثيرون يحاولون التغاضي عنه لجهة دعوة اللبنانيين الى انقاذ انفسهم او على الاقل القيام بخطوات عملية لدفع العالم الى التحرك لانقاذهم.

تنطوي دعوة الوزير الفرنسي هذه على الكثير من المعطيات اولها ان الضغط الاميركي لا يزال حاضراً وبقوة، وهو يمنع، حتى اشعار آخر، كل تحرك دولي لمساعدة لبنان الا وفق شروط معينة يجب تنفيذها، بغض النظر عن صوابيتها أم لا. المعطى الثاني الذي يجب التوقف عنده هو أنالفرنسيين سيحرصون على عدم سقوط لبنان في الفوضى التامة، وابقائه حيث هو في العناية الفائقة وهذا ما اراد ماكرون تأكيده عبر اعلانه عن زيارته المقبلة الى بيروت خلال الشهر الحالي، اي بمعنى آخر ابقاء الخطوط الحمراء على حالها دون تغيير، الى ان تتضح صورة المنطقة الجديدة بعد تولي ادارة الرئيس المنتخب ​جو بايدن​ مسؤولياتها بشكل رسمي. ويبرز في هذا السياق ايضاً الاعلان نفسه على لسان لودريان، وكأنه صادر على لسان احد المسؤولين اللبنانيين، وليس عن مسؤول فرنسي، ما يعطيه بالنسبة الى المغتربينمصداقية اكبر، وبالنسبة الى اللبنانيين المقيمين لمحة عن أن الفرج ليس بقريب بعد، وان مصدر خلاصهم حالياً والى ان ينتهي النفق المظلم، محصور بالمغتربين فقط لا غير.

ولكن، في غضون ذلك، يمعن اللبنانيون في اغراق انفسهم في الوحول المتحركة، بدل العمل بجدية وبتضامن على الحد من الخسائر اولاً، والسعي الى ايجاد السبل الكفيلة بانقاذ لبنان من الاعتماد على الخارج الا بما قلّ، فتصبح الشروط اقل حدّة وصعوبة. صحيح ان اللوم والمسؤولية تقع على الخارج بجزء كبير منها، لان الدول شجعت وغطّت وساهمت في تغذية ​الفساد​ والهدر والفوضى الماليّة والاقتصاديّة في لبنان، ولكن اللوم الاكبر يبقى على اللبنانيين الذي انغمسوا في هذه الاغراءات الخارجية معتقدين انها "شك على بياض" وان الاعتماد على الخارج يبقى افضل بكثير من الاعتماد على انفسنا وتصحيح مسار اخذ في الاعوجاج منذ عقود وبات من الصعب جداً اذا لم يكن من المستحيل، اصلاحه واعادته الى المسار الصائب.

من هنا، سيبقى اللبناني يعيش (برضاه) على "حسنة" الدول الخارجيّة، وعلى همّة المغتربين الذين بات عليهم التعاطي مع مشاكلهم الاقتصاديّة في الدول التي يعيشون فيها، اضافة الى همّ اعانة اقاربهم واحبائهم في لبنان. ها هو واقع الحال في لبنان، وهذا ما اراد الفرنسيّون ايصاله الينا عبر اكثر من رسالة، وهذا ما جنته ايدينا على مدى سنوات وسنوات من الغرق في السعادة الزائفة التي ارادتها لنا الدول الكبرى والصغرى والصديقة والشقيقة والتي تخلت عنا اليوم تحت ستار ممارسة "الشفافية والحرص على النزاهة" فيما كانت هذه القيم غائبة عنها لعشرات السنوات.

يحاول الفرنسيون ابقاء نفوذهم في لبنان على حاله، عبر محاولة عدم اسقاطه في الفتلان الامني والسياسي الذي لا تعرف عقباه، وقد عاينوا هذا الامر بشكل ملموس خلال فترة الحرب الطويلة في هذا البلد. ووفق ما تشير اليه الامور، فإن المسار سيبقى على حاله، دون تغيير، ان على الصعيد المالي او الاقتصادي او السياسي او القضائي، ما يبشّر بأنه بعد ان تتضح الصورة، ستعود "حليمة الى عادتها القديمة"،وعلى من يشكك بهذا الكلام، النظر الى ما آلت اليه الامور السياسيّة في لبنان بعد سنة على التحرك الشعبي، بحيث لم تنجح حكومة حسّان دياب، وعاد النائب ​سعد الحريري​ الى السراي الحكومي ويتم التنسيق مع الاحزاب والتيارات لتشكيل حكومة مفترض ان تكون مغايرة تماماً عن شكل سابقاتها رئيساً واعضاء، دون ان يتحول هذا الامل الى واقع.