على وقع حالة المراوحة القائمة، منذ السابع عشر من شهر تشرين الأول من العام 2019، دخلت الأزمة اللبنانية، في الوقت الراهن، مرحلة شديدة الخطورة على كافة المستويات السياسية والاقتصاديّة والاجتماعيّة والأمنيّة. في ظلّ العجز عن الإتفاق على ​تشكيل الحكومة​ العتيدة، مقابل إعلان ​مصرف لبنان​ عن قرب الإنتهاء من قدرته على الإستمرار في سياسة دعم السلع الأساسية، نتيجة الإقتراب من مستوى الإحتياطي الإلزامي الذي لا يستطيع التصرف به.

في ظلّ هذه الأوضاع، عاد الحديث عن المخاطر الأمنيّة، في جلسة ​المجلس الأعلى للدفاع​ الماضية، بسبب المعلومات عن إحتمال حصول عمليّات إغتيال تستهدف شخصيات سياسية، أو تحرّك بعض الخلايا الإرهابيّة النائمة في الوقت الضائع، الأمر الذي دفع بالقادة الأمنيين إلى الإتفاق على تفعيل خيار العمليّات الأمنيّة الإستباقيّة، بالإضافة إلى تشديد الإجراءات المتّخذة خلال فترة الأعياد. في حين كانت معدلات الجرائم والسرقات قد ارتفعت إلى الحدود القصوى، في الأشهر الماضية، نتيجة تردّي الأوضاع الإقتصاديّة والإجتماعيّة.

في هذا الإطار، بات من الواضح أن غالبية القوى السياسية تراهن على عامل الوقت، المرتبط بتسلم إدارة الرئيس الأميركي المنتخب ​جو بايدن​ السلطة، نظراً إلى عجزها عن القيام بأي خطوات جدّية تقود إلى الحدّ من الأزمة القائمة، الأمر الذي ينعكس على كيفيّة تعاملها مع جميع الملفّات، حيث تلجأ إلى سياسة تبادل الإتّهامات بالمسؤولية عن أسبابها أو عن إيجاد الحلول لها، من دون أن يقود ذلك إلى أيّ معالجة عمليّة، إلا أنّ أوساط سيّاسية متابعة تطرح، عبر "النشرة"، علامات إستفهام حول هذا الرهان، خصوصاً أنّ غالبية القوى المحلّية تجمع على أنّه الحلّ الوحيد في الوقت الراهن.

بالنسبة إلى هذه الأوساط، هذا الرهان قد لا يكون منطقياً، نظراً إلى أنّ أيّ إدارة أميركيّة جديدة تحتاج بعض الأشهر لتحضير ملفّاتها وبدأ العمل الفعلي. وتسأل: "هل لبنان قادر على الإنتظار أكثر، في حين أنّ ​المصرف المركزي​ يعلن عدم قدرته على الإستمرار في سياسة الدعم"؟. وتضيف: "حتى الرهان على تحول على مستوى العلاقات الأميركيّة-الإيرانية قد لا يكون في مكانه، نظراً إلى أن إدارة بايدن لن تعود إلى الإتفاق فوراً، بل ستذهب إلى مفاوضات مع طهران قد تطول".

بالتزامن، تلفت الأوساط نفسها أنّ لبنان بحاجة إلى مساعدات دوليّة تفتح الباب أمام الخروج من الأزمة، وتشير إلى أنّ هذا الأمر مرتبط ب​الدول المانحة​، خصوصاً الدول الخليجيّة. وترى أن تلك الدول، التي دخلت في مرحلة جديدة من العلاقات مع ​إسرائيل​، لن تكون في وارد القيام تقديم أيّ مساعدة من دون ثمن سياسيّ، لا سيما أنها باتت تفضل العلاقة مع تل أبيب على العلاقة مع بيروت، نظراً إلى قناعتها بأنّها البديل الأفضل عن واشنطن في حمايتها مما تصفه بـ"الخطر الإيراني".

في المحصّلة، المشكلة الأساسيّة هي في الداخل اللبناني، حيث على القوى السّياسية الخروج من دائرة الإنتظار، والبحث في كيفيّة البدء في معالجة الواقع الراهن قبل فوات الآوان، لا سيّما أنّ المخاطر تزداد يوماً بعد آخر وتحتاج إلى حلول عمليّة بأسرع وقت ممكن.