قدّم رئيس الحُكومة المُكلّف ​سعد الحريري​ الأربعاء الماضي تشكيلة حُكوميّة كاملة، هي عمليًا حُكومة أمر واقع، كونه لم يبحث تفاصيلها مُسبقًا مع رئيس الجُمهوريّة العماد ​ميشال عون​ الذي وبدلاً من أن يختار إمّا توقيع هذه التشكيلة وإحالتها إلى مجلس النوّاب ليتمّ التصويت على الثقة بها سلبًا أو إيجابًا،وإمّا أن يرفض التوقيع عليها ويضعها في الجرّار، ذهب إلى خيار ثالث تمثّل بإعطاء الحريري مسوّدة حُكوميّة تتضمّن توزيعًا للأحجام وللحقائب، لكن من دون إسقاط الأسماء عليها. فما الذي يُمكن أن يحصل الآن؟.

قِلّة من المُتفائلين إعتبرت أنّ ما حصل مَثّل أرضيّة مُناسبة صالحة لتسريع عمليّة تشكيل الحُكومة في المُستقبل، من خلال إيجاد نقاط التقاطع بين ما عرضه كل من رئيس الجُمهوريّة ورئيس الحُكومة المُكلّف، و​البناء​ عليه للشروع في تركيب الحُكومة. في المُقابل، رأت أغلبيّة من المُتشائمين أنّ ما حصل أكّد إستمرار الدوران في الحلقة المُفرغة على المُستوى الحُكومي، حيث لا يزال كل طرف على موقفه منذ تاريخ ​تكليف​ الحريري في 22 تشرين الأوّل الماضي، مع تسجيل مُحاولات مُتبادلة للتنصّل من تُهمة العرقلةورميها على الطرف الآخر فقط لا غير!.

وإذا كان الرأي المُتفائل، يُراهن على وُصول ​الوضع المالي​ إلى شفير الإنهيار الكامل، وتاليًا وُصول الوضع الإجتماعيإلى شفير الإنفجار، مَعطوفًا على قُرب عودة الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​ إلى ​لبنان​ في زيارة هي الثالثة له هذا العام، لحُصول تنازلات سريعة مُتبادلة تُسهّل عمليّة التاليف، فإنّ الرأي المُتشائم ينطلق من سلسلة من المُعطيات الثابتة، لعدم توقّعه إنبعاث الدُخّان الأبيض في المُستقبل القريب على مُستوى الملفّ الحُكومي، أبرزها:

أوّلاً: مُشكلة إسقاط الأسماء على الحقائب الوزاريّة من قبل رئيس الحُكومة المُكلّف من دون التنسيق مع رئيس الجُمهوريّة مَرفوض من قبل الأخير، وكذلك من قبل جهات سياسيّة فاعلة أخرى، علمًا أنّ السماح للقوى السياسيّة بتسمية وزرائها–كما كان يحصل في السابق، سيفتح بابًا قد لا يُغلق ابدًا، وقد يُعيد مسألة الفيتوات الخارجيّة على تمثيل "​حزب الله​"، بشكل مُباشر أو غير مُباشر، إلى الواجهة.

ثانيًا: تعرّض الحريري لضُغوط ببُعد طائفي-مذهبي لحثّه على رفض خُطوة رئيس الجمهوريّة الذي قام بتسليمه طرحًا مُتكاملاً بشأن التشكيلة الحُكوميّة المُقترحة، وذلك بحجّة عدم دُستوريّة هذه الخُطوة وخرقها لما جاء في دُستور ​الطائف​، الأمر الذي قد يدفع الحريري إلى عدم مُناقشة مَضمونها مع الرئيس.

ثالثًا: إستمرار الخلاف على مسألة الثلث الضامن أو المُعطّل، بين فريقي رئيس الجمهوريّة ورئيس الحُكومة المُكلّف، حيث لا يزال هذا الأخير يُصرّ على تقسيم ​الحكومة​ سياسيًا إلى ثلاثة أثلاث، بحيث لا يتمتّع أيّ طرف وحدهبالقُدرة على إسقاط الحُكومة أو على تعطيل قراراتها، بينما لا يزال الرئيس-ومن خلفه "التيّار"، يُطالب بتطبيق مبدأ "وحدة المعايير" على مُستوى التشكيل، ما يعني عمليًا بأن تكون حصّتهما مُجتمعين،إضافة إلى حزب "الطاشناق"، سبعة وزراء في حُكومة من 18 وزيرًا، من دون مُمانعة رفع العدد الإجمالي للحُكومة إلى 20 وزيرًا، الأمر الذي يعني عمليًا الحُصول على الثلث الضامن، في الحالين. إشارة إلى أنّ حصر التمثيل الدُرزي بوزير واحد في حُكومة من 18 وزيرًا، أثار إعتراضات كبيرة من جانب كلّ من رئيس الحزب الديمقراطي النائب ​طلال أرسلان​ والوزير السابق وئام وهّاب اللذين يُطالبان برفع عدد أعضاء الحُكومة ليتمّ تمثيل الطائفة الدُرزيّة بوزيرين.

رابعًا:عودة السجال القديم بشأن صلاحيّات كل من رئيس الجُمهوريّة ورئيس الحُكومة المُكلّف بشأن الحق في تشكيل الحُكومة، الأمر الذي لا يُساعد في تسهيل التنسيق بين الأطراف المعنيّة، وقد يدفعها إلى وضع فيتوات مُتبادلة.

خامسًا: تفجّر سجالات بين "التيّار الوطني الحُرّ" من جهة، وكلّ من "تيّار المُستقبل" و"الحزب الإشتراكي" وحركة "أمل" من جهة أخرى، على خلفيّة فتح بعض الملفّات القضائيّة، حيث يعتبر "التيّار" أنّ الأمر محض قضائي، ويدخل في إطار الحرب على ​الفساد​ وتحت سقف قانون "الإثراء غير المَشروع"، بينما يعتبرها خُصوم "التيّار" أنّها مُناكفات سياسيّة وخُطوات كيديّة وإنتقاميّة وإنتقائيّة، بغلاف قضائي غير مُوفّق! ومن غير المُستبعد أن يتصاعد الأمر إلى تحريك ملفّات مُتبادلة بين هذه القوى المَذكورة أعلاه، في سياق المُحاولات المَفتوحة من قبل مُختلف القوى للظُهور بمظهر الحريص على المال العام أمام الناس، الأمر الذي سيزيد حجم الإحتقان الداخلي وسيُؤثّر سلبًا على مساعي تشكيل الحُكومة.

في الخُلاصة، الأمور ليست جيّدة على خطّ تشكيل الحُكومة،والوقت الضائع على مُستوى فراع السُلطة التنفيذيّة يمرّ ثقيلاً على اللبنانيّين، بحيث أنّ أغلبيّتهم الساحقة كفرت بالوضع القائم،تحت وطأة الضغط الحياتي والمعيشي. وباتت هذه الأغلبيّة التي فقدت الأمل بفرج قريب، تجمع الجميع في سلّة واحدة، غير آبهة بمن على حق وبمن على خطأ!.