تجمع مختلف المعطيات السياسية الراهنة بأن لبنان يعيش، منذ أشهر، مرحلة من الوقت الضائع، تُترجم عملياً بالعجز عن معالجة أيّ من الملفّات العالقة، لا سيما على مستوى ​تشكيل الحكومة​ المقبلة، الأمر الذي يُفسر ردّ رئيس الجمهورية ​ميشال عون​، على التشكيلة التي تقدّم بها رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​، بتشكيلة أخرى، لا يبدو أنّ من السهل الجمع بينهما.

هذا الواقع، يدفع ثمنه، أولاً وأخيراً، المواطن اللبناني في معيشته، حيث يجد نفسه عاجزاً عن مواجهة تداعيات الأزمة الماليّة والإقتصاديّة التي تتفاقم يوماً بعد آخر، بدليل إجماع القوى السياسية المعنيّة على التوجّه إلى ترشيد الدعم المقدّم من قبل ​مصرف لبنان​ على السلع الأساسيّة، من دون أن يكون هناك بين المسؤولين من هو راغب في حمل كرة النار.

بالنسبة إلى مصادر سياسيّة متابعة، كل ما يحصل اليوم هو أن مختلف الأفرقاء يحاولون رمي الإتّهامات في كافّة الإتّجاهات، بدءاً من الملفّ الحكومي حيث كانت مبادرة الحريري نتيجة ما سمعه المسؤولون من مواقف خلال مؤتمر باريس مؤخّراً، فأراد أن يتوجّه إلى من يعنيهم الأمر بالخارج بأنه، كرئيس حكومة مكلّف، قام بما عليه من واجبات، وبالتالي ليس هو من يتحمّل مسؤولية التأخير في التشكيل، رغم إدراكه صعوبة الموافقة عليها، ليس فقط من جانب رئيس الجمهورية بل أيضاً من جانب مجموعة واسعة من الكتل النّيابية المعنيّة.

وتشير هذه المصادر إلى أنّ ما تقدم يعني أن ليس هناك من مبادرة عمليّة لتشكيل الحكومة، بإنتظار تبدّل المعطيات الإقليميّة والدوليّة التي لا تزال على ما هي عليه، حيث الرهان الأساسي على تسلم إدارة الرئيس الأميركي المُنتخب جو بايدن زمام الأمور في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الزيارة التي ينوي الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​ القيام بها إلى لبنان، على أمل أن يقود ذلك إلى إنتاج تسوية مقبولة من قبل جميع الأفرقاء، وبالتالي ولادة حكومة الحريري المنتظرة.

بالتزامن، كان لبنان، في الأيام الماضية، على موعد مع موجة واسعة من فتح الملفّات التي تدور حولها شبهات فساد تتعلق بأفرقاء سياسيين معينين، في مقابل دعوة هؤلاء إلى فتح ملفات أخرى تتعلق بأفرقاء آخرين، بغض النظر عن النتيجة المتوقعة من وراء ذلك، نظراً إلى أن السجال القائم يوحي بأن المطلوب توسيع دائرة الإتهامات لا الوصول إلى حقائق، وهو ما ينطبق أيضاً على التفاعل الّذي حصل مع إدعاء المحقق العدلي في جريمة إنفجار ​مرفأ بيروت​ على رئيس حكومة تصريف الأعمال ​حسان دياب​ و3 وزراء سابقين.

من وجهة نظر المصادر نفسها، ما يحصل يؤكّد بأن لبنان سيكون في الأيام المقبلة، على المستويين السياسي والإعلامي، أمام مواجهات من العيار الثقيل لا أمام حلول ينتظرها اللبنانيون بفارغ الصبر، حيث سيسعى كل فريق إلى شيطنة الآخر بأيّ وسيلة ممكنة، نتيجة الضغوط الشعبيّة والدوليّة التي ترفع عنوان الإصلاح و​مكافحة الفساد​، لكنّها تعتبر أنّ ذلك لن يقود إلى تحقيق أيّ نتيجة في نهاية المطاف، بدليل ما حصل في كل الملفّات التي فتحت خلال الأشهر الماضية على أقلّ تقدير.

في المحصّلة، لا حقيقة في لبنان بل وجهات نظر، حيث يعمد كل فريق إلى تبني تلك التي تخدم تلميع صورته وتشويه صورة الآخرين، في مقابل تهشيم صورة المؤسسات لا سيما القضائية منها، في حال كان لديها توجهاً مختلفاً، حيث تتصدر الإتهامات السياسية الهادفة إلى التأثير على عملها مع الدعوات إلى إستقلاليتها، في مفارقة غريبة عجيبة لا يمكن تصوّرها.