أشار نقيب محرري الصحافة ​جوزيف القصيفي​ إلى أن "الانفجار الهيروشيمي الكارثي الذي حل ب​مرفأ بيروت​، وما خلف من آثار مدمرة تعدت الحجر إلى البشر، أرخت ظلاله على مسار الحياة العامة في ​لبنان​. وكانت له تداعيات سياسية، اقتصادية، نفسية أصابت الإنسان في صميم كيانه، وسدت عليه منافذ الأمل، ودفعت به إلى اليأس، والثورة حتى الكفر بكل شيء. ولو لم يترجم هذه الثورة حتى الساعة، غضبا يتفجر، وبركانا يزلزل".

وخلال مؤتمر صحفي عقدته الهيئة الوطنية ل​حقوق الإنسان​ المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب وذلك لإطلاق مشروع مراقبة معايير حقوق الإنسان في الاستجابة لتداعيات ​انفجار مرفأ بيروت​ واتخاذ الخطوات الحكومية والبرلمانية المطلوبة لتفعيل عمل الهيئة، لفت القصيفي إل أن "الناس تنتظر أن يصل التحقيق في كارثة إنفجار مرفأ بيروت إلى خواتيمه، وأن تتحدد المسووليات، لتنطلق المحاكمة وينال المخططون، والفاعلون والمهملون القصاص العادل الذي يتناسب مع حجم مسؤولية كل منهم"، موضحاً أنه "ثمة من يرى أن التحقيق طال من دون مبرر، وثمة من يعتقد أن هناك معطيات لم تتوافر لغاية الساعة، لأن للملف أبعادا تتجاوز تخوم لبنان، لكن الرأي العام المصدوم، والذين فقدوا أحباء وأعزاء، وأصيبوا بإعاقات دائمة أو موقتة، وجروح أيا تكن درجتها وتهدمت منازلهم كليا أو جزئيا، ودمرت محلاتهم - موارد رزقهم - لا تعنيهم التفسيرات. إنهم يريدون أمرا واحدا، ومحددا: معرفة من هم الذين تسببوا بما حصل. وفي أي حال، فإن معايير ​حقوق الانسان​ المتعارف عليها دوليا يجب أن تتلازم مع تداعيات حقوق الانسان، وأن تطمئن ضحايا هذا الانفجار، وتحاول أن توفر له الحاضنة والضمانات بأن ما من شيء يستطيع أن يئد الحقيقة ويتجاوزها".

كما شدد على أنه "في اليوم العالمي لحقوق الانسان يسر ​نقابة محرري الصحافة​ اللبنانية أن تستقبل الهيئة الوطنية لحقوق الانسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب التي دعت إلى هذا اللقاء لإطلاق مشروع مراقبة معايير هذه الحقوق في الاستجابة لتداعيات انفجار مرفأ بيروت، والتعليق على مسار التحقيق القضائي في الجريمة، والحديث عن الخطوات الحكومية والبرلمانية المطلوبة لتفعيل عمل هذه الهيئة. ونحن اذ نضم صوتنا الى صوت الهيئة، داعين ​مجلس النواب​ والحكومة إلى وجوب تفعيل عمل الهيئة لتقوم بما هو مطلوب منها لصون حقوق الانسان في لبنان وضمان تطبيق المعايير الدولية في ممارستها، ووقف التعذيب بأشكاله كافة".

من جهته، أشار رئيس الهيئة فادي جرجس إلى أنه "سيبقى العام 2020 محفورا في ذاكرة اللبنانيين واللبنانيات إلى الأبد. فهو عام مروع ورهيب، ترك ندوبا عميقة في نفوسنا. فقد دفعت الأزمة المالية والنقدية بالمزيد من المواطنين إلى ما دون خط الفقر، وتركت أزمة اقتصادية طالت العمالة والدخل والتعليم والصحة والإمدادات الغذائية. وأصابت جائحة كوفيد-19، ما يقارب 135 ألف شخص في لبنان على الأقل وتسببت بوفاة ما يقارب 1200 ألف شخص آخرين، بالاضافة إلى ملايين الإصابات حول العالم مع الإشارة إلى أن الجائحة لم تشارف بعد على الانحسار".

وأكد جرجس أن "انفجار مرفأ بيروت جاء في الرابع من آب 2020 ليزيد الطين بلة ويتسبب بالمزيد من المآسي للشعب اللبناني. لقد سلط هذا الانفجار الهائل والمروع الضوء على مسألتين في غاية الأهمية أولهما ضمان حماية حقوق الإنسان وتعزيزها، وعلى رأسها الحق في الحياة، وثانيهما ضمان تحقيق العدالة والمساءلة وعدم افلات الجناة من العقاب. وأثبتت الوقائع والمعلومات الأولية عن هذا الإنفجار إهمالا وفشلا في حماية حقوق الجميع بدون تمييز، بما في ذلك الحق في الحياة والصحة والسكن والغذاء والماء والتعليم والحق في بيئة صحية سليمة".

كما لفت إلى أنه "يهمنا أن نعلن في هذه المناسبة أنه تنفيذا لولايتها وصلاحياتها كمؤسسة وطنية لحقوق الإنسان في لبنان، تطلق الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب (NHRC-CPT) مشروع "مراقبة معايير حقوق الإنسان في الاستجابة لتداعيات انفجار مرفأ بيروت " الذي يمتد لثلاثة أشهر تبدأ في مطلع كانون الأول 2020 بالتعاون مع برنامج ​الأمم المتحدة​ الانمائي في لبنان والمكتب الإقليمي لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان".

وأفاد جرجس بأن "هذا المشروع يهدف إلى مراقبة معايير حقوق الإنسان في انشطة إغاثة المتضررين في إنفجار 4 آب في بيروت والتي تنفذها مختلف الاجهزة الحكومية وغير الحكومية والمنظمات الدولية والجهات المانحة. تشمل أنشطة المشروع : القيام بزيارات ميدانية إلى المناطق المتضررة وتحديد القضايا المنهجية أو الواسعة الانتشار التي تؤدي إلى انتهاكات حقوق الإنسان والتوصية بالتدابير التي تسعى إلى حماية حقوق الناجين من الانفجار، بما في ذلك الأفراد والجماعات في حالات الضعف (النساء، كبار السن، الأشخاص ذوي الإعاقة، المهاجرون، إلخ) تلقي شكاوى الانتهاكات الفردية والتحقيق فيها وضمان إنفاذ القرارات والمراسيم والقوانين ذات الصلة بما فيها القانون الرامي الى حماية المناطق المتضررة بنتيجة الانفجار في مرفأ بيروت ودعم إعادة إعمارها. تقديم تقرير إلى الحكومة والبرلمان حول حالة حقوق الإنسان في لبنان، بما في ذلك توصيات بشأن تدابير التخفيف من مخاطر انتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بأنشطة إغاثة المتضررين في انفجار 4 آب في بيروت وضمان تحقيق العدالة والمساءلة وعدم افلات الجناة من العقاب".

وأعرب عن أمل الهيئة من الجهات المعنية "بجبر الضرر الى تمكينها من الحصول على المعلومات والبيانات التي تطلبها والخاصة بالمناطق المتضررة نتيجة انفجار مرفأ بيروت، بما يخدم تنفيذ انشطة المشروع والتنسيق والتعاون في إنجاح أنشطة المشروع وتحقيق أهدافه. كما تدعو جميع المتضررين إلى المبادرة للتواصل مع الهيئة على الخط الساخن 03923456 بهدف توثيق أي انتهاك ومبادرة، يتعرضون له يتعلق بأنشطة الاستجابة لانفجار الرابع من آب. تسجل الهيئة تحية تقدير للجهود المبذولة على المستوى القضائي من أجل الوصول إلى العدالة، لا سيما الجهود الذي يبذلها المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت الرئيس ​فادي صوان​".

وكذلك شدد على "ضرورة تتبع مسار شحنة نيترات الامونيوم منذ انطلاقها من البلد المصدر وصولا إلى مرفأ بيروت، لاحتمال تورط جماعات منظمة إجرامية في ارتكاب جريمة أصلية عابرة للحدود الوطنية ومشمولة بالاتفاقيات الدولية، لا سيما أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (باليرمو) التي انضم اليها لبنان"، موضحاً أن "مجمل ما تقدمه هذه الأحكام، التي تبناها القانون الرقم 318/2001 المعدل بالقانون 44/2015 يتلخص بعدم الاعتداد بالتقادم لمرور الزمن، وبعدم الاعتداد بموجب ​السرية المصرفية​، ولا بأي حصانات على جميع المستويات، وبالتشدد بالملاحقة الجزائية تبعا لجسامة النتائج، بما في ذلك السماح بالحجز والضبط والمصادرة وتجاوز جميع أنواع الحصانات مع ضمان الحق بالدفاع وحق تقديم الإثبات المعاكس للمستفيدين من الحصانة من رؤساء ونواب ووزراء وغيرهم من الأشخاص الطبيعيين والمعنويين كافة".

وفي السياق، اعتبر أن "إحالة جريمة انفجار مرفأ بيروت إلى ​المجلس العدلي​ لا تتماشى مع معايير المحاكمات العادلة كونه على درجة واحدة من المحاكمات وبغياب أي سلطة قضائية رقابية، ويشكل في تكوينه واختصاصه وأصول العمل لديه محكمة استثنائية بامتياز، وتولي المادة (363 أصول المحاكمات الجزائية) قاضي التحقيق العدلي الحق بأن لا يكون مقيدا بحد أقصى للتوقيف الاحتياطي"، لافتاً إلى أن "الهيئة تشدد على أن هذه المحكمة الاستثنائية ينبغي ان تخضع لتعديل تشريعي يجعلها تتلاءم مع مبادئ حقوق الإنسان، توصي بإلغاء جميع المحاكم الاستثنائية في لبنان، في مقابل تحصين المحاكم المدنية وتكريس استقلاليتها من خلال إقرار اقتراح القانون المتعلق باستقلال القضاء العدلي وشفافيته".

وأوضح أن "الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان تتبنى التوصية التي أصدرها عدد من مقرري الأمم المتحدة المستقلين بضرورة إجراء تحقيق سريع ونزيه وشفاف يقوم به قضاء مستقل ويتمتع بمصداقية وفق ما تنص عليه مبادئ حقوق الإنسان، للنظر في الادعاءات والمخاوف والاحتياجات التي سببها الانفجار، وفي الفشل في حماية حقوق الإنسان. ويجب حماية التحقيق من أي تأثير غير ضروري ومنحه ولاية قوية وواسعة النطاق للتحقيق بفعالية في أي إخفاقات منهجية ارتكبتها السلطات والمؤسسات اللبنانية على مستوى حماية حقوق الإنسان. ويجب أن يتضمن التحقيق المنظور الجنساني وأن يمنح الضحايا وأقاربهم إمكانية الوصول الفعال إلى التحقيق، مع احترام حقهم في المشاركة والحصول على المعلومات. ويجب أن يحمي التحقيق والإجراءات الأخرى المرتبطة بالكارثة، الخصوصية وألا يكشفا عن هويات وشهادات الضحايا والشهود والمساعدين والزملاء وعائلاتهم. ويجب أخيرا الإعلان عن نتائج التحقيق وتوصياته أمام الرأي العام".

كما نقل استنكار الهيئة المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب "عدم اتخاذ الاجراءات الملزمة والضرورية من قبل ​الحكومة اللبنانية​ لتمكينها من ممارسة عملها بالفعالية المطلوبة، تشدد على ضرورة إسراع ​اللجان النيابية​ في مناقشة وإقرار اقتراح القانون القانون الرامي إلى تعديل القانون الرقم 62 /2016 (إنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب) المعدل بموجب القانون رقم 6/ 2020 (موازنة العام 2020 والموازنات الملحقة)، والذي تقدم به عدد من النواب ويناقش حاليا من اللجان البرلمانية".

ولفت إلى أن اللجنة تشدد "على تكريس "مبادئ ​باريس​" المعايير الدولية التي تحكم عمل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وأبرزها معيار التمويل الكافي والمستقل للمؤسسات الوطنية، وتنص الملاحظة العامة حول التمويل الكافي الرقم 1.10 للائتلاف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان على التالي: "يجب تخصيص تمويل حكومي في باب منفصل من ​الموازنة​ ينطبق فقط على المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. وينبغي الإفراج عن هذا التمويل بانتظام وبطريقة لا تؤثر سلبًا على وظائفها، والإدارة اليومية، واستبقاء الموظفين".

ورأى أن "تخصيص باب مستقل في ​الموازنة العامة​ للهيئة المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب، وتحديد مخصصات أعضائها، وفتح اعتماد إضافي في الموازنة للسنة التشغيلية الأولى، ضمن نص تشريعي، هي خطوة اصلاحية هامة نظرا لدور الهيئة على صعيد تعزيز وحماية حقوق الإنسان والوقاية من التعذيب".