يبدي البعض استغرابا لشدة الوقاحة التي يتصرف بها كتير من الأنظمة العربية الرسمية في مسار الذلة والإذعان والاستسلام للمشروع الصهيوني الاستعماري، وتزاحمهم على ركوب قطار الاستسلام المسمى تطبيعا مع العدو الإسرائيلي.

بيد ان عودة الى التاريخ العربي اللصيق او القريب يجد ان الاستغراب في عير محله ، فتلك الأنظمة لم تكن يوما عدوا لإسرائيل و لم تعمل يوما من اجل فلسطين لإعادة اهلها اليها بل بالعكس تماما عملت في الشأن الفلسطيني من اجل تخدير الفلسطينيين وتمكين إسرائيل من كسب الوقت لتتم عمليات الاحتلال و القضم والهضم وصولا للإجهاز على كامل فلسطين التاريخية التي لم يكن فيها من وظيفة فعلية لصفقة ترامب الاجرامية الا كشف المستور و الإعلان العملي عن انتهاء و تصفية القضية الفلسطينية بمباركة عربية ، و فتح الطريق امام معظم الأنظمة العربية للسير زحفا و الجثو امام المغتصب الإسرائيلي .و ان وزير خارجية المغرب عبر بدقة عن حال العرب هؤلاء في سياق ما كان يصف او ما فاخر به من علاقات تاريخية مميزة بين المغرب و إسرائيل كانت قائمة قبل الإعلان عن التطبيع.

و مع هذا و رغم الالم الذي تنتجه مواقف و كلمات او صور تظهر موقع إسرائيل المميز عند هذه الدولة العربية او تلك من قبيل ان ترى العلم الإسرائيلي على برج خليفة في الخليج في دبي في الامارات العربية ، او قول وزير خارجية المغرب بان أحدا من البلدان العربية لا يملك علاقات مع إسرائيل بمثل الفرادة التي تنفرد بها المغرب تاريخيا في صياغة تلك العرقات المميزة ، او اقدام هذه الدولة العربية او تلك من دول التطبيع المستجد على إعطاء إسرائيل موقع تفضيلي في التجارة الخارجية حتى ولو كانت السلع المستوردة من نتاج المستعمرات الاسرائيلية في الضفة الغربية ، رغم كل هذا الألم فاننا نرى في التطبيع و اثاره و مفاعيله صورا هامة من طبيعة أخرى نذكر أهمها كالتالي :

1. أسقط التطبيع الأقنعة وأزال اوراق التين عن عورات الدول العربية تلك، واظهرها على حقيقتها الخيانية لقضية فلسطين ومن يريد ان يعرف اسفار الخيانات المرتكبة من حكام عرب بحق فلسطين ما عليه الا ان يعمل الذاكرة ويعود الى حرب الإنقاذ وكيف كانت تسلم الأرض الى الصهاينة بعد تحريرها من تشكيلات جيش الإنقاذ، ومسيرة الخيانة مستمرة لحكام عرب كانت قائمة ولم تتوقف يوما.

2. كشف التطبيع بكل صراحة ووضوح الدور الوظيفي السلبي للجامعة العربية التي عملت في الآونة الأخيرة بشكل اكثر وقاحة ضد مصلحة العرب و ضد فلسطين و هي الجامعة التي باتت كما يبدو تستعد للفظ أنفاسها الأخيرة لتفسح في المجال امام قيام "جامعة الشرق الأوسط الإقليمية " التي يتحول فيها العرب المطبعون الى ايتام وخدام لدى إسرائيل التي ستمسك بعصا القيادة فيها تديرها بشكل منسق مع تركيا وبأشراف أميركي مباشر، وعلينا ان لا ننسى كيف ان جامعة السقوط العربي تلك أخرجت سورية العربية من صفوفها وطلبت من الناتو تدمير ليبيا وتفتيتها الى الحد الذي تعذر عليها بناء دولتها مجددا رغم مضي 10 سنوات على التدمير.

3. يرسم التطبيع الخريطة الاستراتيجية في المنطقة، ويقيم المحاور والتحالفات الخالية من احصنة طروادة، والخالية من المثبطين عملاء العدو، وبهذا يمكن لمحور المقاومة وحلفاؤه من عرب ودول إسلامية ان يضعوا استراتيجية المواجهة بوجهيها الدفاعي والهجومي دون ان يقع فريسة التضليل والخداع. وهنا لا بد من الإشارة الى ان المقاومة في جبهتها ومكونات محورها لم تخسر شيئا ميدانيا بإعلان تطبيع من طبع اذ لم يكن هؤلاء يوما جنودا لفلسطين وانقلبوا عليها الان بل كإنو خونة لفلسطين متسترين وخرجوا من الصفوف الان وتراجع خطرهم بعد ان فضح امرهم وباتت عمالتهم وخيانتهم علانية.

4. يضع التطبيع بوصفه عمل خياني الشعوب العربية امام مسؤولياتها، التي يجب ان تضطلع بها تلك الشعوب تحت عنوانين، عنوان الرفض السلبي بالامتناع الكلي عن التعامل مع كل من ينتمي او يتصل بالعدو الإسرائيلي وشن أوسع الحملات للمقاطعة والتصرف كما وكان التطبيع لم يحصل، وعنوان الضغط الفاعل والنشط على الحكام في تلك البلدان من اجل افهام الحاكم انه أخطأ وان الشعب غير موافقة على خيانته ولن تسير بمقتضاها.

5. اما العدو الذي يتباهى اليوم بهذا الانتصار الاستراتيجي الهائل، فهو يعلم وفي العمق ان اجتياحه للعالم العربي بالتطبيع وفرضه على أنظمة فيه للتركيع، فانه يعلم ان التطبيع بهذا الشكل والحجم هو عمل ليس من شانه ان يوفر له إجابات موثوقة على أسئلة وجودية خطيرة تقض مضجعه خاصة وانه يرى في المواجهة جبهة إقليمية قائمة ومستمرة ترفض وجوده وترفض التنازل عن فلسطين رفضا يعلم العدو أهميته خاصة عندما ينظر الى القوة التي يمتلكها الرافضون والتي فرضت على العدو تصرفا يضع وجوده تحت علامة استفهام كبيرة. في الوقت الذي يعرف ان المطبعين لم يخرجوا من الميدان العسكري في مواجهة إسرائيل لأنهم لم يكونوا يوما فيها ولن يكونوا في الخندق مع إسرائيل في مواجهة المقاومة نقول هذا رغم علمنا بالمزايا العسكرية والاستراتيجية التي تمنحها مسارات التطبيع لإسرائيل في مواجهة إيران بشكل خاصة.

وبالخلاصة نقول ان ما يسمى التطبيع بصفته الخيانية التي لا شك فيها هو انقياد و استسلام للعدو لم و لن يحقق على الصعيد العام سلاما و لن يوفر لمن طبع من العرب مصلحة او يكرس لهم مكسبا ، و رغم انه سيحقق لإسرائيل بعض المكاسب و المصالح المتنوعة الاستراتيجية و السياسية و الاقتصادية و قد يكون فيها بعض العسكرية لكنه لن يحل لها مازقها الوجودي في ظل قوة محور المقاومة الرافض لهذا الوجود وقوته المتصاعدة رغم كل الضغوط الأميركية كما ، قوة تعطف على فعالية وجود كتلة ديمغرافية فلسطينية كبيرة حرمتها الخيانة من حقها بالأرض و الدولة المستقلة و لذا ستبقى شاهدا على استحالة تصفية القضية الفلسطينية من غير استعادة الحق لصاحبه .

ويبقى ان نؤكد على ان التطبيع المزعوم سيلقي بثقل المسؤولية على الشعوب في الدول المطبعة، لتقول كلمتها وتعلن مواقفها بشكل يجهض اهداف التطبيع ويظهرها بانها اعمال ذات طبيعة كرتونية غير مجدية ولهذه الشعوب في الشعب المصري خير اسوة ومثال حيث انه برفضه لإسرائيل حرمها من الحركة او التغلغل او الوجود المجدي في الشارع المصري بكل عناوينه.