لا يحلُّ الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​ ضيفاً مرحباً به في ​بيروت​ فحسب، بل يحسب ال​لبنان​يون الأيام الفاصلة عن موعد وصوله قبيل ​عيد الميلاد​، إعتقاداً منهم أنه مخلّص لبنان من الأزمات المتراكمة. بالتأكيد فإن الرئيس الفرنسي يسعى لفرض حل سياسي في ​الجمهورية​ اللبنانية، بعدما عجزت القوى الداخلية عن إيجاد تفاهم يستولد حكومة جديدة. لكن ماذا يحمل ماكرون معه الى بيروت؟ هو يبدأ زيارته برسالة معبّرة بشأن إقتصار جولته على جدول نشاط مختصر يرتكز على معايدة قوات بلاده في ​اليونيفيل​ ب​الناقورة​ ​جنوب لبنان​. لكن الفرنسيين أنفسهم سيرون في عدم نجاح مهمة ماكرون في بيروت فشلاً لرئيسهم الذي لا ينقصه مزيداً من الملاحظات بشأن أدائه السياسي الفرنسي والدولي. مما يعني الاّ مصلحة لماكرون في عدم إيجاد تسوية بين اللبنانيين، مهما كان حجم العقبات. يكفي أن يتعاون ماكرون مع عواصم إقليمية ودولية لفرض حل لبناني سريع عبر ​تأليف​ حكومة تمنع الإنهيار: تأتي إشارات فرنسية ان سيف العقوبات الأوروبية سيسلطّ على رقاب سياسيين لبنانيين في حال أفشلوا مبادرة ماكرون. لا بل إن كلّ المعطيات تؤكد أن ​الإدارة الأميركية​ العتيدة سوف تقف خلف الخطوات الفرنسية نتيجة حُسن العلاقة بين ماكرون والرئيس الأميركي المُنتخب ​جو بايدن​.

لن يصدّق ​اللبنانيون​ ولا الفرنسيون أن ​باريس​ عاجزة عن إستيلاد تسوية في لبنان. كيف يمكن للقوى اللبنانية أن تُفشل جهود رئيس دولة صديقة وحريصة على مصالحهم واستقرار بلدهم؟ وهل يُعقل أن ​فرنسا​، وهي أهم دول ​الإتحاد الأوروبي​ ورافعة رايته في ​العالم​، أن تكون عاجزة؟ هل ترمي باريس كلّ تاريخها في لبنان والشرق، وتُدير ظهر رئيسها وتمضي؟.

لا يكفي لماكرون أن يهدّد، ويتوعد، أو ينتقد الأداء السياسي اللبناني بكلمات غاضبة، أو ان يرمي المسؤولية على الطبقة السياسية اللبنانية، اعتقاداً منه بأن تلك الخطوات كافية لدفع المعطّلين في لبنان إلى التراجع عن شروطهم التعجيزية. اذا كان كل اللبنانيين، من دون إستثناء، يؤيدون الدور الفرنسي البنّاء، ويريدون نجاح مبادرة تسووية، فلماذا لا يُقدم الرئيس الفرنسي على صوغ مخرج اثناء وجوده في لبنان؟ سيسجّل له التاريخ أنّه انقذ بلداً وشعباً من الغرق.

لكن الأهم أن هناك مصلحة لفرنسا لعدم ترك لبنان حالياً: أولاً، إن تراجع باريس يعني تقدّم الأتراك نحو توسيع نفوذهم في لبنان، وهو ما يضرّ بالمصالح الفرنسية في شرق المتوسط، في ذروة السباق الفرنسي-التركي. ثانياً، سيتحمّل الفرنسيون مزيداً من ضغط ​النازحين السوريين​ المتواجدين في لبنان جرّاء محاولاتهم التوجه نحو ​أوروبا​. ثالثاً، ستتأثر كلّ الطموحات الفرنسية التجارية على صعيد الاستثمارات في بحر لبنان في حال "فلت الملق" السياسي والأمني في بيروت. رابعاً، ستهتز مكانة "الأم الحنون" عند شعب لبناني يودّ الفرنسيين.

لا تزال الفرصة قائمة أمام ماكرون لإنقاذ مبادرته. ستكون الزيارة العتيدة هي بمثابة إعادة اطلاق محركّات لتولّد خلال ساعات فقط، وقبل مغادرة ماكرون لبنان، تسوية تُنتج حكومة. وفي حال عجز الرئيس الفرنسي عن المضيّ بتلك الخطوة، سيُصبح لزاماً عليه القول: فشلت مبادرتي، وإنتهت مساعي فرنسا، فتدبّروا أمر لبنانكم أيها الساسة اللبنانيين.

بجميع الأحوال، لن يستطيع ماكرون أن يتخلى عن لبنان لإعتبارات فرنسية ودولية لا لبنانية. لكن أمر ولادة ​الحكومة​ لن يكون سهلاً بل يشهد مزيدا من المدّ والجزر. عندها سيغرق ​الشعب اللبناني​ بمزيد من تداعيات ​الأزمة​ المعيشية.