قبل ايام معدودة على موعد الزيارة الّتي كانت مرتقبة للرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​ الى ​لبنان​، بدا وكأن رئيس ​الحكومة​ المكلف ​سعد الحريري​ يسابق الوقت كي يحظى بغطاء ​مسيحي​ لتشكيلته الحكومية التي لم يعلن عن اسماء وزرائها لـ"تبرئة ذمته"، واكتفت التسريبات "المجهولة المصدر" باعلان عدد الوزراء وانتمائهم الى كل ​الطوائف​. وقبل ان يتم ​الاعلان​ عن اصابة ماكرون بوباء ​كورونا​ ووضع كامل زيارته الى لبنان في مهب المجهول، علم الحريري انه يفتقد الى الغطاء المسيحي في ظلّ الخلاف القائم مع ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​، و"​التيار الوطني الحر​"، وحزب "القوات اللبنانية"، وحزب "الكتائب"، مع تسجيل تحفّظ "​المردة​"، وهي تعتبر الاحزاب المسيحيّة الرئيسيّة. ونظراً الى ضيق الوقت وعدم القدرة على نسج تفاهمات وتواصل مع هذه القوى، اختار الحريري تجربة حظّه مع ​البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي​، علّه ينجح في ​تحقيق​ خرق ما على الجبهة المسيحيّة حين يمثل أمام ماكرون وهو يحظى بموافقة ميثاقيّة على تشكيلته الاخيرة، وينقذ نفسه في امتحان الاسئلة عن عدم ترك أيّ مكون خارج التشكيلة، لأنّه من المفترض ان تكون هذه الحكومة شاملة وكاملة المواصفات المطابقة للمبادرة الفرنسية ولمتطلبات ​المجتمع الدولي​.

خرج الى العلن بعض ما دار في اللقاء بين الحريري والبطريرك الراعي في ​بكركي​ حول الوضع الحكومي، وما لم يخرج الى العلن تولّت مصادر تسريبه. ومن بين هذه التسريبات، على ذمّة المصادر نفسها، فإن الحريري شكا للراعي عدم تناغم عون مع مبادرته، رغم أنه (أيّ الحريري) حرص منذ اليوم الاول لتسلمه مهامه ​تشكيل الحكومة​، التنسيق مع رئيس الجمهورية حفظ دوره الدستوري، وانه فعل ما في وسعه وفق الظروف المعروفة، من اجل ان ترضي تشكيلته الجميع، في الخارج اولاً والداخل ثانياً. وحرصت المصادر ايضاً على القول ان الحريري اراد ان يوضح للبطريرك انه غير مُلام في اتّهامه بالسيطرة على الحصّة المسيحيّة في الحكومة، خصوصاً وانه استغرب كيف وقفت بكركي الى جانبه اولاً قبل ان تتراجع عن ذلك حين وصل اليها ان رئيس الحكومة يرغب في تسمية الوزراء المسيحيين على عكس ما فعله مع الوزراء من الطوائف الاخرى. وتابعت المصادر ان رئيس الحكومة المكلّف ذكر انه يعتبر انه قام بما عليه وارضى عون بتسمية وزراء كان قد اقترحهم، ولكن هذا الامر لم يكفِ الرئيس الذي رغب في المزيد.

من جهتها، كانت مصادر اخرى على اطلاع على مواقف رئيس الجمهورية تفيد بأن محاولة الحريري كسب غطاء بكركي لن يكتب لها النجاح، وهي محاولة يائسة لتحريض البطريرك على عون، لعلم الاول بأن اي تفريط اليوم بحقوق الطائفة سينسحب على باقي المواضيع وقد تصبح قاعدة راسخة يصعب تغييرها في ما بعد تحت أيّ ذريعة اخرى، كما حصل في الصلاحيات الرئاسيّة التي باتت مقيّدة. ولفتت هذه المصادر الى ان ما يحاول رئيس الحكومة المكلف القيام به هو الخروج من المأزق الذي وضع نفسه فيه على حساب المسيحيين، مستغلاً انقسامهم، وعدم قبول ان عون كونه الممثل الرسمي الوحيد لهم، يحقّ له بعد أن تخلّت المعارضة المسيحيّة عن الحريري وحكومته المقبلة، ان يسمي الوزراء المسيحيين كما فعلت الاحزاب والتيارات من الطوائف الاخرى، وانه ليس صحيحاً ان الوزراء هم من اصحاب الاختصاص فقط وغير ملتزمين او مؤيدين للاحزاب من مختلف الطوائف، والا لكانت الحكومة ابصرت النور اليوم قبل الغد.

وبين هذا وذاك، لا يمكن ​البناء​ على هذه الزيارة لدفع الموضوع الحكومي نحو الامام، كما من المتوقع ان يستمر الحريري في معاناته جذب اصوات مسيحيّة وازنة الى خانته كي "يبيّض صفحته" امام هذه الطائفة، لان احداً من المسيحيين لن يسجّل على نفسه انّه فرّط في الحقوق عبر تسليمها الى الحريري او غيره. ومن المؤكد أن كورونا زاد الامور تعقيداً في لبنان بعد استهدافه ماكرون، حيث كان هناك بعض الامل ولو البسيط في حصول خرق ما على الجبهة الحكوميّة، وهو ما اصبح شبه مستحيل قبل ​العام الجديد​.