في الوقت الذي كان الجميع في ​لبنان​ ينتظر زيارة الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​، لمعرفة إمكانية تحريك ملف تشكيل ​الحكومة​ المُعرقل، تدخّل فيروس "كورونا" المستجد ليفرض تأجيلاً لها بعد الإعلان عن إصابته، الأمر الذي فرض عليه إلغاء جميع رحلاته الخارجية، ما يعني ترحيل الملف اللبناني إلى ما بعد عيدي ​الميلاد​ ورأس السنة.

على الرغم من ذلك، لدى بعض الأوساط المحلية الكثير من علامات الإستفهام حول ما إذا كان ماكرون كان لديه في الأصل ما يستطيع أن يقدّمه لمعالجة ​الأزمة اللبنانيّة​، أو دفع الأفرقاء السياسيين إلى التنازل ل​تشكيل الحكومة​ العتيدة، بعد أن بات هناك شبه إجماع على ضرورة الإسراع في ولادتها.

في المعلومات المتداولة، بحسب مصادر سياسية متابعة، الدوائر الفرنسيّة كانت، في الأيام الماضية، تعبّر عن إمتعاضها من طريقة تعامل القوى السّياسية اللبنانيّة مع الواقع الحالي، بدليل حديث ​وزير الخارجية​ ​جان إيف لودريان​ عن حالة إنكار يعيشها هؤلاء، الأمر الذي كان من المفترض أن ينعكس على برنامج زيارة ماكرون.

قبل ذلك، كان الأفرقاء، لا سيما كل من تيار "المستقبل" و"​التيار الوطني الحر​"، قد ذهبا إلى رفع سقف المواجهة السياسية، من دون تجاهل التداعيات التي تركها ادّعاء المحقق العدلي في إنفجار ​مرفأ بيروت​ ​القاضي فادي صوان​، على رئيس حكومة ​تصريف الأعمال​ حسّان دياب والوزراء السابقين ​يوسف فنيانوس​ و​علي حسن خليل​ و​غازي زعيتر​، بالإضافة إلى تلك التي خلّفها تحريك بعض الملفّات القضائيّة التي تدور حولها شبهات فساد.

بالنسبة إلى هذه المصادر، ما تقدم يقود إلى معادلة واضحة، الظروف المحلية لم تكن جاهزة لتقديم أي مبادرة جديدة أو تحريك تلك القائمة أصلاً، وبالتالي لم يكن من المنطقي أن يراهن الرئيس الفرنسي على أن تدفع زيارته القوى اللبنانية إلى تقديم تنازلات معينة، كتلك التي سبقت ​تكليف​ ​السفير اللبناني​ في ​ألمانيا​ تشكيل الحكومة قبل زيارته الثانية، نظراً إلى أن الرهانات أوسع مما يمكن أن ينجزه ماكرون، وهي مرتبطة بمواقف قوى إقليمية ودولية ذات تأثير أكبر.

هذا الواقع، هو الذي كان قد دفع الجميع إلى الإقرار بتأجيل موعد ولادة الحكومة إلى ما بعد نهاية العام الحالي، ربطاً بتسلم إدارة الرئيس الأميركي المُنتخب ​جو بايدن​ ​السلطة​ في بلاده، نظراً إلى أن الرئيس الحالي ​دونالد ترامب​ مصر على الإستمرار في ممارسة السياسات التي ينتهجها حتى اليوم الأخير من ولايته، الأمر الذي يتناغم مع دور بعض القوى الإقليمية المؤثرة في الملف اللبناني.

انطلاقاً من ذلك، تعتبر المصادر نفسها أنه يمكن الجزم بأن معظم هؤلاء الأفرقاء كانوا مسرورين بتأجيل موعد زيارة الرئيس الفرنسي، نظراً إلى أن ذلك الأمر سيجنبهم الإحراج أمامه، بينما كان من المتوقع أن يذهب هو إلى مواقف تصعيدية منهم، لا سيما أن بعض الدوائر الفرنسية سبق لها أن سربت العديد من المعطيات حول هذا التوجه. وترى أن ماكرون أيضاً ينتظر التطورات التي ستنتج عن تسلم بايدن السلطة، لمعرفة المدى الذي يستطيع الذهاب إليه، خصوصاً أن إدارة ترامب كانت قد وضعت الكثير من العصي في طريقه في الفترة الماضية.

في المحصلة، تشدد المصادر المتابعة على ضرورة إدراك الجميع أن ​باريس​ لا تستطيع أن تلعب دوراً مؤثراً في لبنان من دون موافقة باقي اللاعبين الخارجيين الفاعلين بالمفعول بهم لبنانيا، حيث أن دورها لا يمكن أن يتعدّى الوساطة فيما بينهم، وتؤكد أن هذا الأمر غير متوفر في الوقت الراهن.