عند تناول طبق دسم، ينصح دائماً بتناول بعض المشروبات التي قد تساعد في هضم ثقل ذلك الطبق. هذا ما فعله المرشد الأعلى في ​إيران​ ​علي خامنئي​ في خطابه أمام عائلة قائد ​فيلق القدس​ السابق ​قاسم سليماني​. قدّم خامنئي يوم الأربعاء الماضي طبقه على طاولة المفاوضات، معتبراً أنه إذا كانت هناك فرصة لرفع العقوبات فلا ينبغي التأخّر ولو ساعة للاستفادة منها.

أمام ثقل هذا الموقف، والإستعداد الإيراني للتفاوض "بأسلوب منطقي يحفظ لإيران سيادتها وحقوقها" حسب تعبير المرشد، كان من الضروري دمج الموقف، مع آخر أكثر "مقاومة". بعد أن أوضح ضرورة عدم التأخر بالعمل على رفع العقوبات، طالب خامنئي المسؤولين في إيران بالتركيز على إفشال العقوبات الأميركيّة على بلاده قبل التركيز على رفعها.

هكذا إذا، أعلن خامنئي، ولو بطريقة غير مباشرة استعداد إيران للتفاوض، رامية الكرة بملعب ساكن ​البيت الأبيض​ الجديد، الذي سيدخل مكتبه البيضاوي في 20 كانون الثاني المقبل. وترافق ذلك، مع تصريحات المسؤولين الحكوميين، وعلى رأسهم الرئيس ​حسن روحاني​، أن ​طهران​ مستعدة للعودة إلى التزاماتها ب​الاتفاق النووي​ إذا عادت ​واشنطن​.

في مواجهة روحاني، ومن معه من شخصيات إصلاحيّة راغبة بفتح باب المفاوضات مع الغرب، يقف الأصوليون في إيران عقبة أمام المساعي الحكومية. هؤلاء، وهم المسيطرون على ​البرلمان الإيراني​ بعد ​الانتخابات النيابية​ بداية العام الحالي والتي شهدت إقبالاً ضئيلاً، يحاولون كبح جهود روحاني التفاوضية. هذه الجهود ليست، على الأرجح، بهدف "مبدئي" رافض ل​أميركا​، بل هي لأهداف انتخابية، مع اقتراب ​الانتخابات الرئاسية​ في البلاد في حزيران المقبل.

يحاول الأصوليون تأجيل العودة إلى الإتفاق النووي، لمنع إعطاء روحاني، ومن خلفه الإصلاحيين، ميزة العودة لهذا الاتفاق وما سيترافق مع ذلك من "بحبوحة" اقتصادية مقارنة بالوضع السيء حالياً. يعمل البرلمان الأصولي هذه الأيام على محاربة ​الحكومة​، إن كان بإقرار مشروع ​الموازنة​ من جهة، او بإقراره لقانون "الخطة الإستراتيجية لرفع العقوبات".

"الخطة الإستراتيجية لرفع العقوبات"، تلزم الحكومة برفع مستوى التخصيب في المنشآت النووية، وزيادة عدد أجهزة الطرد المركزية المتطوّرة، في حال لم تعد الأطراف المشاركة في ​الاتفاق النووي الإيراني​ إلى التزاماتها. لم يهضم روحاني هذه الخطّة، وأعلن صراحة، في ​مؤتمر صحفي​، عدم أهميتها، مؤكّداً أنّ "الحكومة ستنفّذ هذا القانون وفق تفسيرها لمفهوم رفع العقوبات".

من جهة أخرى، كان موقف مجلس صيانة ​الدستور​ بارزاً هنا أيضاً، بعد أن عدّل بند عودة الأطراف الموقّعة على الاتفاق، وأعطاهم مهلة شهرين (في هذه المدة يكون ​بايدن​ قد تسلّم إدارته ​الجديدة​) بدل مهلة الشهر المعطاة من البرلمان.

رسائل إيجابيّة ترسلها إيران نحو واشنطن، مع بعض الخطوط الحمر: لا للمسّ بالبرنامج الصاروخي الإيراني، او التدخّل في نشاطات إيران الإقليميّة، وهنا تكمن المشكلة. فقد كان الرئيس الجديد قد أعلن في وقت سابق، أنّه يطمح لتنفيذ اتفاق جديد أوسع مع إيران "لضمان استقرار ​الشرق الأوسط​". لو كانت إيران ستوافق على ذلك، لكانت وافقت عليه مع وجود ​دونالد ترامب​، الذي كان لديه الشروط عينها في ما يخص البرنامج الصاروخي والنشاط الإقليمي.

لم يكسر اغتيال ​العالم​ النووي محسن فخري زاده ظهر المفاوضات بين إيران وأميركا. الصبر الاستراتيجي الذي اعتمدته طهران، وتذكيرها الدائم أنّ ردّها سيكون في الزمان والمكان المناسبين، مع عدم اعطاء ​اسرائيل​ حجّة لفتح حرب مقبلة، أعطى بايدن إشارات جديدة: إيران لن تخطو خطوة سلبية كانت أو إيجابية، حتى يبادر الرئيس الديمقراطي بخطوة حسن نيّة تجاه طهران.