في 22 تشرين الأوّل الماضي، كلّف رئيس الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​ رئيس "تيّار المُستقبل" الذي نال تأييد 65 نائبًا في الإستشارات النيابيّة المُلزمة، مهمّة تشكيل الحُكومة. واليوم، وبعد مُضيّ نحو شهرين على هذا التكليف، لا تزال المُهمّة المَذكورة مُتعثّرة. ويُوجد رابط بين العقبات الداخليّة والخارجيّة، وهو مَعطوف أيضًا على سبب صراع الأحجام والحقائب والأسماء، حيث أنّه وعلى الرغم من كل ما يُحكى عن ضرورة تشكيل حُكومة غير سياسيّة، تتكوّن من وزراء إختصاصيّين وتكون مهمّتها إطلاق الإصلاحات وتأمين أموال الدعم الخارجي ومُباشرة خطة إنقاذ إقتصادي ومالي... يُوجد إصرار كبير على حُكومة بتوازنات سياسيّة دقيقة. وهذه هي الأسباب:

أوّلاً: إنّ الإنتخابات النيابيّة المُقبلة يُفترض أن تتمّ في ربيع العام 2022، وتحديدًا في أيّار من ذلك العام، أي بعد سنة وأربعة أشهر فقط من اليوم، ويُوجد رفض مُتبادل بين من يريد تغيير القانون الحالي ومن يُريد التمسّك بالقانون القائم حاليًا، في ظلّ إستبعاد التوصّل إلى تسوية وسطيّة بين الطرفين. وهذا يعني أنّ إحتمال تأجيل موعد الإنتخابات وارد بنسبة عالية، خاصة إذا ترافق الخلاف على القانون الإنتخابي، مع إستمرار الكثير من المشاكل الأخرى المَوجودة على الساحة اللبنانيّة اليوم.

ثانيًا: إنّ الإنتخابات الرئاسيّة المُقبلة يُفترض أن تتمّ في خريف العام 2022 أيضًا، بعد بضعة أشهر من تنظيم الإنتخابات النيابيّة. وبالتالي، في حال عدم إجراء هذه الأخيرة، تُصبح الإنتخابات الرئاسيّة في حكم المُهدّدة بدورها، وعندها نُصبح أمام خيارين: إمّا التمديد للرئيس الحالي، وإمّا ندخل في فترة أخرى من ​الفراغ الرئاسي​ على غرار ما حصل أكثر من مرّة خلال العُقود الثلاثة الماضية!.

ثالثًا: المُشكلة القائمة إذًا تتمثّل بأنّه غير صحيح أنّ الحُكومة التي يجب تشكيلها اليوم قبل الغد، هي حُكومة بمُهمّة إصلاحيّة–إنقاذيّة، ستبقى في السُلطة لمدّة ستة أشهر فقط. فبالعكس من ذلك تمامًا، لا يختلف إثنان على أنّ الحُكومة المُقبلة ستبقى في السُلطة بأقلّ تقدير حتى موعد الإنتخابات النيابيّة–في حال إجراء هذه الأخيرة، لتستقيل بعد ذلك بحُكم ما ينصّ عليه القانون، وتستمرّ في تصريف الأعمال حتى نهاية عهد العماد عون الرئاسي، لأنّه لا جدوى عمليًا من تشكيل حكومة جديدة لبضعة أشهر فقط–هذا إذا سلّمنا جدلاً أنه يُمكن في لبنان تشكيل حكومة بهذه السُرعة! وبما أنّ إحتمال عدم إجراء الإنتخابات النيابيّة في موعدها يتصاعد، ويرتفع معها إحتمال الدُخول في فراغ رئاسي جديد عند إنتهاء ولاية الرئيس الحالي، فإنّ الحُكومة التي ستتشكّل ستحكم لبنان كحُكومة أصيلة كاملة الصلاحيّات لنحو سنة ونصف، وكحكومة تصريف أعمال في مرحلة لاحقة، وذلك لفترة طويلة ومَفتوحة لا يُمكن تحديدها زمنيًا من اليوم، وتحديدًا إلى حين تنظيم إنتخابات نيابيّة جديدة، ومن ثم إنتخابات رئاسيّة جديدة، وربّما إلى حين الدُخول في مُؤتمر تأسيسي جديد للبنان!.

رابعًا: إنطلاقًا من هذا السيناريو الوارد الحُصول بقُوّة وغير الخيالي على الإطلاق، يرفض أكثر من طرف داخلي الخروج من الحُكومة وعدم التواجد في السُلطة التنفيذيّة، ولوّ بشكل غير مُباشر، كما كانت الحال عليها مع حُكومة تصريف الأعمال الحالية. وفي هذا السياق، إنّ "​حزب الله​" يرفض بأيّ شكل من الأشكال الرُضوخ للضُغوط الأميركيّة والخروج من السُلطة، خاصة في ظلّ التغيّرات الجيو–سياسيّة الكُبرى التي تشهدها منطقة ​الشرق الأوسط​ ككلّ، وبالتالي سيتمسّك "​الثنائي الشيعي​" بتسمية كلّ الوزراء الشيعة وبتحديد حقائبهم، وذلك ما أن يتمّ حلّ الخلاف القائم حاليًا بين "تيّار المُستقبل" و"التيّار الوطني الحُرّ". وهذا الأخير يعتبر أنّ "التيّار الأزرق" سيكون مَوجودًا في السُلطة بحكم أنّ رئيسه هو في الوقت نفسه رئيس الحكومة المَنوي تشكيلها، وهو من سيُسمّي الوزراء السُنّة–مهما جرى صبغهم بصفات الإختصاص والتكنوقراط، الأمر الذي سيَمنحه سُلطة تنفيذيّة وازنة، ومن حقّ "التيّار" بالتالي أن يستفيد من نفس المنطق، لجهة تسمية الوزراء المسيحيّين ونيل وزارات أساسيّة أيضًا-كما باقي الأفرقاء. والخلاف على الحقائب بين مُختلف المُكوّنات السياسيّة التي قرّرت التصويت بنعم لرئيس الحُكومة المُكلّف، مرّده كذلك الأمر إلى الرغبة بالإستفادة من هيبة وقُدرات الوزارات الأساسيّة المُصنّفة "سياديّة"، ومن مَنافع الوزارات المُصنّفة "خدماتيّة"، في حال إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، وبالإمساك بمفاصل أساسيّة من السُلطة أيضًا في حال تأجيل هذه الإنتخابات، من دون أن ننسى أيضًا رغبة القوى السياسيّة بالتمسّك بالوُجود بالسُلطة، لما لهذا الوجود من إرتدادات مُهمّة على المعركة الرئاسيّة المُقبلة.

في الخُلاصة، لا "الثنائي الشيعي" ولا "التيّار الوطني الحُرّ" في وارد المُوافقة على الخروج من السُلطة التنفيذيّة، تحت ستار ما يُحاول الحريري تسويقه من حُكومة إختصاصيّين غير سياسيّة وخالية من الحزبيّين، بغضّ النظر عن مدى تطبيق هذا المبدأ على نفسه أساسًا. وإذا كان جزء كبير من ​الشعب اللبناني​ مُهتمّ فقط بواقعه الإجتماعي والحياتي ويُريد حلولاً لأزماته، فإنّ القوى السياسيّة لن تخلي الساحة، وهي مُصرّة على التمسّك بتوازنات سياسيّة دقيقة، لها تأثيرها على الحياة العامة في لبنان،ولها إمتداداتها الخارجيّة أيضًا، ما يعني أنّ الأزمة باقيةبغضّ النظر عن الجُهود القائمة حاليًا في محاولة لإحداث الخرق المَنشود، وهي ستتمدّد ما لم تُوافق كل الأفرقاء المَعنيّة داخليًا وخارجيًا، على حُكومة شبيهة إلى حدّ كبير بحكومة تصريف الأعمال الحاليّة، لكن برئاسة ​سعد الحريري​ بدلاً من حسّان دياب!.