ستترك تشظيات الخلافات بين الأحزاب الإسرائيلية، التي أدت إلى حل «​الكنيست​» الـ23، تداعياتها على انتخابات «الكنيست» الـ24، بشكل عميق، ليس نظراً إلى أنها ​الانتخابات​ الرابعة التي تُجرى خلال أقل من عامين فقط، بل بفعل الواقع الجديد بارتفاع أعداد مَنْ يخوضون المعركة ضد رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين ​نتنياهو​.

لن يكون بإمكان نتنياهو استخدام الشعارات ذاتها بأنه يُواجه «اليسار - الوسط» و«القائمة العربية المُشتركة»، لأن من سيتنافس معهم هم من صقور اليمين المُتطرّف، وفي طليعتهم، مُنافسة السابق على رئاسة «الليكود» ​جدعون ساعر​، الذي شكّل حزب «أمل جديد - وحدة لإسرائيل» ورئيس حزب «يميننا» ​نفتالي بينيت​.

للمرة الأولى، بإمكان تكتل يميني أن يُنافس على ​تشكيل الحكومة​ من خلال ترجيحات استطلاعات الرأي العام، بنيله أكثر من 61 صوتاً، وهي ​العقبة​ التي واجهت نتنياهو في الانتخابات الثلاثة السابقة، بعدم استطاعته تأمين أكثر من نصف أصوات «الكنيست»، ولم يتمكن من تشكيل حكومة إلا بائتلافه مع رئيس تكتل «أزرق أبيض» ​بيني غانتس​، الذي لم يدم لأكثر من 7 أشهر، فأجهض الائتلاف الحكومي، الذي دفع ثمنه غانتس، بأن انشق عنه «يش عتيد» برئاسة يائير لبيد و«تيلم» برئاسة بوغي يعالون، وشكلا حزباً مشتركاً، وأيضاً انشق حزب «ديريخ إيريتس».

ستكون معركة نتنياهو على أكثر من جبهة، مُنطلقاً من مُحاولة حماية نفسه من المُلاحقة القضائية بتهم الملفات الـ3 التي يُواجهها، والتي كانت سبباً رئيسياً بتفكك الائتلاف مع غانتس بعد رفض «أزرق أبيض» التخلي عن حقيبة ​القضاء​، التي يتولاها آفي نيسالكورن، وبالتالي فشل بمسعاه لسن قوانين تجنبه ​السجن​ وإنهاء حياته السياسية.

لقد فشل نتنياهو بتجنب حلّ «الكنيست» على الرغم من مُحاولاته تمرير مشروع تأجيل إقرار الميزانية للعامين 2020-2021 لمُدة أسبوعين، وهو ما تقدّم به «أزرق أبيض»، لكن «الضربة القاصمة» كانت من خلال «الليكود» و«أزرق أبيض» بانقلاب عدد من نوابهما على التحالف، والتصويت ضد مشروع تأجيل إقرار الميزانيتين، ما قلب المُعادلة من تأييد 47 ومعارضة 46، إلى تأييد 49 مُقابل معارضة 47، ما أدى إلى حل «الكنيست»، الذي أعلنه رئيسه ياريف ليفين.

في المُقابل، فإن تشظيات حل «الكنيست» سيكون لها نتائجها السلبية على حليف غانتس الذي يشغل منصب نائب رئيس الحكومة ووزير ​الأمن​، وأيضاً ​وزير الخارجية​ ​غابي أشكنازي​، وكذلك وزير ​العدل​ نيسالكورن.

وبذلك، فإن احتمالات اعتزالهم ​الحياة​ السياسية باتت واردة، بعدما حققه الائتلاف بخوضه الانتخابات للمرة الأولى في 9 نيسان/ابريل 2019، وتشكيل قوة ثانية في «الكنيست» بعد «الليكود»، هذا يعني أن حزب «أزرق أبيض» قد يتلاشى ويتوزع مُؤيدوه على أحزاب أخرى.

فيما يبرز ساعر مع حزبه الجديد، الذي أعطته استطلاعات الرأي الحصول على (18 مقعداً)، وهو يُعتبر تمثيلاً جيداً في أوّل مُشاركة له بعد أن انضمم إليه أعضاء في «الكنيست» من «الليكود» و«أزرق أبيض» و«ديريخ إيريتس».

كذلك فإن حزبا «يش عتيد - تيلم» بزعامة يائير لبيد منحته الاستطلاعات (15 مقعداً)، و«يميننا» برئاسة نفتالي بينيت (14 مقعداً)، فيما يتوقع أن يحصد حزب «إسرائيل بيتنا» برئاسة ​أفيغدور ليبرمان​ (7 مقاعد)، و«ميريتس» (6 مقاعد) وإذا ما استمر «أزرق أبيض» بقيادته الحالية، يُتوقع حصوله على (5 مقاعد)، إذا ما تتلاشى!

في ضوء ذلك، فإن تحالف اليمين المُتطرّف بإمكانه الحصول على ما يفوق 61 مقعداً، ما يُؤهله لتشكيل الحكومة من دون «الليكود»، ولن يكون باستطاعة نتنياهو المُزايدة على هذا الائتلاف، الذي عليه حسم المُنافسة لرئاسة حكومة بين ساعر وبينيت.

بينما أكثر ما يُمكن أن يحصل عليه نتنياهو هو (44 مقعداً)، من تحالف «الليكود (28 مقعداً)، وأحزاب «الحريديم»: «شاش» (8 مقاعد) ويهودت هتوراة (8 مقاعد)، وهذا يُقلل من حظوظه لتشكيل الحكومة.

أما «القائمة العربية المُشتركة» برئاسة ​أيمن عودة​، التي يتوقع حصولها على (11 مقعداً) بتراجع (4 مقاعد) عن التمثيل الحالي، فإن رفع مُستوى المشاركة في الانتخابات، هو الذي سيرفع من تمثيلها، وقد تكون «بيضة القبّان» لأي من المُتنافسين على ​رئاسة الحكومة​، خاصة إذا ما تعثرت المُفاوضات بين الائتلاف اليميني الجديد و«إسرائيل بيتنا» أو «ميريتس»، لكن على «القائمة المشتركة» توحد موقفها بعد بروز خلافات مع «قائمة ​الحركة الإسلامية​ الجنوبية» - «العربية المُوحدة» برئاسة منصور عباس، الذي تناغم كثيراً مع نتنياهو.

كما أن تداعيات حل «الكنيست» إعلان رئيس حزب «العمل» ​عمير بيرتس​ تنحيه عن رئاسة الحزب، الذي لم يتمكن في الكنيست الـ23، من الفوز إلا بتحالفه مع «غيشر» فحصلا على (7 مقاعد).

وكان بيرتس قد أعلن أنه سيترشح لرئاسة الكيان الإسرائيلي في الانتخابات التي ستجرى في حزيران/يونيو 2021، والذي يشغله حالياً ​رؤوفين ريفلين​.

كل الاستطلاعات تُشير إلى أن الخاسر الأكبر في الانتخابات المُقبلة سيكون نتنياهو، الذي استفاد من كل العطاءات والهبات التي قدمها له الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​، وأيضاً التطبيع العربي، لكن ما زال يُواجه تظاهرا تُطالب برحيله منذ أكثر من 26 أسبوعاً، ولم يتمكن الاستفادة من كونه أوّل من تلقى لقاح فيروس «كورونا»، وفرض شروطه لتحديد موعد الانتخابات، كما كان يُمني النفس في مُنتصف العام المُقبل، فتم تحديدها يوم الثلاثاء في 23 آذار/مارس 2021.

يبدو أن رياح التغيير الأميركي التي أطاحت بترامب، وصلت إلى نتنياهو، وبات الكيان الإسرائيلي يبحث عن بديل له لمُواكبة مرحلة الرئيس الأميركي المُنتخب ​جو بايدن​، وإن كان الهدف هو التنافس أكثر خدمة للكيان الإسرائيلي.