لفت متروبوليت ​بيروت​ وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران ​الياس عودة​، إلى أنّ "النبي داود الملك أخطأ كهيرودس في فترة حكمه، فاشتهى زوجة أوريا أحد حراسه، وزنى معها وحبلت. وصادف أنّ عاد أوريا من المعسكر بعد فترة طويلة قضاها في ساحة الحرب، إلّا أنّه عوض الذهاب إلى بيته وزوجته فضّل البقاء أمام قصر ملكه لحراسته. كان أوريا أمينًا لملكه، على عكس تصرف الملك تجاهه، حتّى إنّ داود أوعز إلى قادة الجنود أن يجعلوا أوريا في طليعة المحاربين لكي يصاب ويموت، وهكذا حصل"، متسائلًا: "ألا يحدث الأمر نفسه مع حكّامنا الّذين يشتهون كلّ ما لدى الشعب، ولا يتردّدون في العمل على قهره وإذلاله حتّى إماتته، من أجل الحصول على مبتغاهم؟".

وأوضح خلال ترؤسّه قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت، أنّ "الفرق بين داود الملك وحكّامنا أنّ داود تاب وعاد إلى ربّه، أمّا هم فلا ربّ لهم سوى مراكزهم ومصالحهم"، مركّزًا على "أنّنا نصلّي من أجلهم لكي يتعلّموا من النبي داود الملك كيف يندمون ويتوبون ويعودون إلى الدرب الصحيح قبل فوات الأوان". ولفت إلى أنّ "القديس يعقوب أخو الرب كان رجل صلاة، واجتذب بسيرته التقية كثيرين إلى ​المسيحية​، فحقد عليه ​اليهود​ وقتلوه رامين إيّاه عن سطح أحد المنازل"، سائلًا: "ألا يحدث الأمر نفسه في أيّامنا؟ ألا يُغتال كلّ صادق ونظيف؟".

وشدّد المطران عودة على أنّ "الفاسدين يخافون من كلّ نزيه وصادق ونظيف، لأنّهم يفضحون فسادهم، فيتخلّصون منهم إمّا معنويًّا أو جسديًّا"، مستائلًا: "ألا تلاحظون أنّه كلّما شهد بلدنا فضيحةً أو تفجيرًا أو أي حدث كبير مريب، تكثر بعده الأنباء عن مقتل فلان وتصفية فلان؟ ذو الضمير الحي والفكر النقي والكف النظيفة أصبح مقموعًا، يخاف قول الحق، لأنّ مثل هؤلاء منبوذون ومكروهون". وبيّن أنّ "لذا، أصبحنا نشهد اشتدادًا لموجة ​الفساد​ بين المواطنين الّذين رأوا أنّ غير الفاسد هو من يحاسَب، وقد يطاله القانون دون سواه. أمّا من اقترَف خطأً أو أساء استعمال المركز أو السلطة فحصانته تمنَع عنه المساءلة والمحاسبة، وكأنه فوق القانون، وممنوع عنه العقاب. لقد كرس مبدأ شريعة الغاب، حيث الأقوى يلتهم الأضعف، بدل أن تكون النزاهة والصلاح والصدق هي المقياس".

وأكّد أنّ "دعوتنا كمسيحيّين أن نقتدي بالرب وقدّيسيه، وأن نسير على الدوام في الدرب الصحيح، حتّى لو تم قمعنا أو تهديدنا. علينا أن نسعى دائمًا نحو الحق ونحو الحريّة الّتي لا صوت يعلو على صوتها. المهم ألّا يخاف الأحرار، وأن يبقوا الصوت صداحًا، وألّا ييأسوا ويسيروا وراء الفاسدين أو يتعلّموا منهم، لأنّ خلاص بلادنا لن يأتي إلّا بتكاثر المنادين بالحرية والعدالة للجميع، لا لفئة محدّدة من الشعب فقط". وذكر أنّ "القدّيسين لم تردعهم تهديدات الطغاة، بل تمسّكوا بقول الحق ولم يحيدوا عنه رغم كلّ التهديدات، وكثيرون منهم قطعت رؤوسهم أو أعدموا أو أغتيلوا". كما نوّه إلى أنّ "رجاءنا أن يلمس الرب قلوب حكّامنا ويجعلها قلوبًا لحميّةً لا حجريّةً، لأنّ الشعب لم يعد يحتمل أكثر".