بعد سلسلة من الإجتماعات مع رئيس الجمهورية ​ميشال عون​، رافقتها أجواء إيجابية غير حقيقيّة حول موعد ولادة الحكومة، قرر رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ مغادرة البلاد في زيارة عائلية، بحسب ما هو معلن، في مشهد يعيد إلى الأذهان طريقة تعامل الرجل مع الأزمة، بعد إستقالته من منصبه على خلفية التحركات الشعبية التي انطلقت في السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019.

في ذلك الوقت، طرحت الكثير من الأسئلة حول غياب رئيس الحكومة عن البلاد فيما المطلوب تفعيل عمل الحكومة من أجل مواجهة الأزمة، قبل أن يعود إلى ممارسة لعبة إحراق أسماء المرشحين ل​رئاسة الحكومة​، ليوجه رسالة مفادها أن لا بديل عنه، تماماً كما حصل عندما قدم نفسه، قبل تكليفه في الإستشارات النيابية الملزمة، كمرشح طبيعي.

لا شيء يستحق المحاولة من قبل رئيس الحكومة المكلف لإنجاز مهمته الرئيسية قبل نهاية العام، هو يظن أنه قام بواجبه من خلال طرح العديد من الصيغ التي كان يدرك مسبقاً أنها غير قابلة للحياة، وبالتالي لا بأس من الذهاب في رحلة عائليّة إلى خارج البلاد، بانتظار ما قد يحصل من تطورات على الساحتين الإقليمية والدولية، لا سيما على مستوى رهانه على تسلم إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بادين السلطة.

من وجهة نظر الحريري، الإنهيار المالي والإقتصادي غير مستعجل، وكذلك الأمر بالنسبة إلى التوجه إلى ترشيد أو رفع الدعم عن السلع الأساسية. أما بالنسبة إلى الإصلاحيات أو خطوط النهوض الإقتصادي فهي أصلاً، حتى لو تشكلت حكومته، عليها أن تنتظر مطوّلاً. ماذا عن الأزمات الإقتصادية والمعيشية التي يعاني منها المواطنون؟ ليست من أولوياته اليوم، على ما يبدو، لأن الأساس هو الإجازة العائلية، كي يريح نفسه من هموم اللبنانيين التي لا تنتهي، حتى ولو باتت الأعياد تمر عليهم كما لو أنها كوارث.

قد يظن الكثيرون أن أي مسؤول من المفترض اليوم ألا يفكر بأي شيء آخر إلا كيفية الإنتهاء من الأزمة القائمة، نظراً إلى التداعيات التي تتركها على كافة المستويات، هذا هو الأمر الطبيعي في أي دولة تعاني ما يعانيه لبنان اليوم من كوارث. لكن الواقع يثبت أن الأمور ليست على هذه الحال. فالمعني الأول في الخطوة الأولى على طريق الإنجاز، كما يظن غالبية اللبنانيين، ليس لديه الوقت لذلك، أو ربما هو عاجز عن القيام بهذا الأمر في الوقت الراهن، لكنه لا يريد أن يعتذر عن المهمة لإفساح الطريق أمام غيره. هو في الأصل، في حال فكّر أحد في خطوة من هذا النوع، مستعد لإحضار كل الشعارات الطائفية والمذهبية لضمان عودته.

رئيس الحكومة المكلف ليس حالة فريدة من نوعها في الحياة السياسية اللبنانية، هو نموذج عن غالبية المسؤوليين في البلاد، حيث الصراع على الحصص والمغانم والمصالح الشخصية تأتي على رأس قائمة الأولويات. أما هموم المواطنين ومشاغلهم فهي أمر لا يستحق التفكير فيه أو الإنشغال به، على قاعدة أنهم سيعتادون على الواقع الجديد في نهاية المطاف.

في المحصّلة، على الجميع، اليوم، إنتظار إنتهاء رئيس الحكومة المكلف من إجازته العائلية، على أن يعود بعد ذلك بحيوية أكبر للعمل على ​تأليف الحكومة​ بأسرع وقت، على أمل ألا يعكرها أي معطى جديد، إقليمي أو دولي، يدفعه للإنتظار أبعد من موعد تسلم بايدن السلطة.