لم يكن العام 2020 عادياً على مستوى البشرية برمتها، لا سيما مع بدء إنتشار فيروس كورونا المستجد في الأشهر الأول منه، إنطلاقاً من مدينة وهان الصينية، الأمر الذي أحدث رعباً على المستوى العالمي. ودفع بالدول إلى الإقفال التام وحجز مواطنيها في منازلهم حفاظاً على صحتهم، ما أحدث خسائر كبيرة في الإقتصاد، وأدى إلى سقوط حكومات ورؤساء، أبرزهم كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نتيجة الفشل في التعامل مع الوباء الذي حصد أرواح أكثر من 1.6 مليون نسمة.

في السنوات الماضية، كانت التنظيمات الإرهابية هي الخطر الأكبر الذي يواجه البشرية، إنطلاقاً من إنتشارها الكبير في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً في سوريا والعراق، وصولاً إلى تنفيذها العديد من العمليات على المستوى العالمي، لا سيما في دول الإتحاد الأوروبي، لكن هذا العام سرق كورونا الأضواء منها، بالرغم من إستمرار نشاطها.

في هذا الإطار، يمكن الحديث عن تطور بارز حصل، في شهر شباط، تمثل بتوقيع الولايات المتحدة وحركة "طالبان" الأفغانية إتفاقاً تاريخياً، يمهد الطريق أمام انسحاب القوات الأميركية بعد عقدين من الحرب. بينما الإعتداءات الإرهابية الأبرز كانت تلك التي وقعت في شهر تشرين الأول في فرنسا والنمسا، حيث تم قطع رأس أستاذ التاريخ صامويل باتي في منطقة باريس على أيدي متطرف بعدما عرض رسوماً كاريكاتورية مسيئة للإسلام خلال درس عن حرية التعبير. كما تعرضت كاتدرائية نيس بجنوب شرق فرنسا لهجوم بالسكين نفذه تونسي وصل حديثا إلى أوروبا، وقتل 4 أشخاص باعتداء متطرف في فيينا.

وعلى الرغم من الأجواء الإيجابية التي سادت في نهاية العام، مع إعلان العديد من شركات الأدوية العالمية عن التوصل إلى لقاحات فاعلة في مواحهة كورونا، إلا أن العام 2020 لم يقبل أن ينتهي قبل أن يعيد بث الرعب في نفوس البشرية. حيث بدأ الحديث في الشهر الحالي عن إكتشاف طفرات جديدة من الفيروس، أكثر إنتشاراً، لم يتم الحسم بشكل نهائي فيما لو كانت تمثل سلالات جديدة أما لا، الأمر الذي تطلب إتخاذ المزيد من الإجراءات الإحترازية، خصوصاً في ظل عدم إكتشاف أي دواء فعال حتى الآن، ما يعني أن هذا الفيروس، بما يحمله من آثار، باق حتى العام 2021.

من ناحية أخرى، لم يكن فيروس كورونا هو الإنطلاقة الوحيدة في العام الماضي التي تؤكد أنه لن يكون عادياً، ففي بدايته أيضاً كانت عملية إغتيال الولايات المتحدة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليمان في العراق، التي وضعت منطقة الشرق الأوسط على فهوة البركان خوفاً من الإنتقام الذي من الممكن أن تقدم عليه طهران، بعد أن توعدت برد يخرج واشنطن من المنطقة. بعد أيام جاء الرد من خلال إستهداف قاعدة عين الأسد في العراق، التي كانت بمثابة رسالة حاسمة من الجمهورية الإسلامية، إلا أنها لم تمر مرور الكرام، نظراً إلى أنها أدت إلى إسقاط طائرة ركاب مدنية أوكرانية في الأجواء الإيرانية عن طريق الخطأ، الأمر الذي أدى إلى سقوط العديد من الضحايا.

حتى الآن لم تنته تداعيات هذه العملية، حيث لم تتوقف عمليات إستهداف السفارة الأميركية في بغداد من قبل الفصائل العراقية الحليفة لطهران، من خلال هجمات صاروخية تستهدف ما يعرف بالمنطقة الخضراء، في حين تبقى المخاوف قائمة، حتى اليوم الأخير من ولاية ترامب، من إحتمال حصول أي تصعيد على مستوى الصراع بين طهران وواشنطن، لا سيما مع إقتراب الذكرى السنوية الأولى لإغتيال سليماتي، بالرغم من أن الكثيرين يستبعدون هذا الخيار في ظل الرهان الإيراني على ما قد ينجم عن فوز المرشح الديمقراطي ​جو بايدن​ في الإنتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، نظراً إلى من مؤيدي العودة إلى المفاوضات معها. لكن هذه المرة ستكون هناك شروط جديدة لأي إتفاق، عنوانها الأساسي دور إيران في المنطقة، بالإضافة إلى مسألة الصواريخ الباليستية، بينما سعى كان ترامب قد سعى إلى تعقيد المهمة أمام بايدن، من خلال الهجمات الغامضة التي كانت قد تعرضت لها العديد من المنشآت الإيرانية، بالإضافة إلى عملية إغتيال العالم النووي محسن فخري زاده.

من الأحداث الأبرز على مستوى منطقة الشرق الأوسط أيضاً، التحول الذي طرأ على مستوى علاقة بعض الدول العربية خصوصاً الخليجية منها، مع إسرائيل. حيث كانت البداية من الإمارات ثم لاحقاً كل من البحرين والسودان والمغرب، نتيجة الدور الذي لعبته إدارة ترامب التي كانت راغبة في الإستفادة من هذا "الإنجاز" في الإنتخابات الرئاسية، لتعويض فشلها في مواجهة كورونا، الأمر الذي ترك تداعيات كبيرة على مستوى الإقتصادي الداخلي، لا سيما أن البلاد كانت قد عانت من الأزمات التي شهدها سوق النفط العالمي أيضاً.

هذا الواقع الذي سيكون له تداعيات كبيرة على مستوى القضية الفلسطينية، أدى إلى إرتفاع مستوى التوتر في العلاقات الإيرانية الخليجية أيضاً، نظراً إلى أن طهران تعتبر أن هذا التحول يمثل تهديداً لأمنها القومي، من المرجح أن يشهد المزيد من التحولات في العام المقبل أيضاً، في ظل المعلومات عن إحتمال ذهاب المزيد من الدول العربية إلى خيار التطبيع مع تل أبيب، التي تعيش أزمة سياسية غير مسبوقة، بعد حل برلمانها للمرة الرابعة، خلال سنتين، والدعوة إلى انتخابات مبكرة يتوقع إجراؤها في 23 آذار المقبل، وبالتالي انهيار الحكومة الائتلافية التي شكلها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو مع منافسه السياسي، رئيس حزب "أزرق أبيض" بيني غانتز، في شهر أيار الماضي، من دون تجاهل أن العديد من الدول العربية التي كانت على علاقات مميزة مع إدارة ترامب تخشى من إحتمال حصول تطورات سلبية على مستوى علاقاتها مع الولايات المتحدة، بعد تسلم إدارة بايدن السلطة.

الإنتخابات الرئاسية الأميركية، التي شهدت العديد من المفاجآت والأخذ الرد بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لم تكن الحدث الوحيد الذي أثر على الوضع الداخلي في الولايات المتحدة، لا بل يمكن الحديث عن حادث آخر يمكن أن يكون له تداعيات أيضاً في حال فشل بايدن في معالجة الإنقسام الداخلي، يتمثل بالتطورات التي تلتت مقتل المواطن الأميركي من أصول أفريقية جورج فلويد، في شهر أيار، اختناقاً في مينيابوليس بعدما بقي لدقائق طويلة تحت ركبة شرطي أبيض، حيث أدت ثوره التي انتشرت على نطاق واسع إلى إندلاع تظاهرات كبيرة في عدد من الولايات، للمطالبة باصلاحات ضد عنف الشرطة وانهاء عدم المساواة العرقية تحت شعار "حياة السود تهم"، شابتها أعمال عنف.

بالإضافة إلى التحديات الداخلية، سيكون على الرئيس الأميركي المُنتخب مواجهة العديد من التحديات على المستوى العالمي، بعد أن كانت علاقات الولايات المتحدة مع العديد من القوى الخارجية قد شهدت تطورات كبيرة، أبرزها كان مع الصين، حيث برزت ملامح حرب باردة بين الجانبين، على اثر إتهام ترامب بكين بالتسبب في ظهور كورونا، بينما كانت المواجهة بين البلدين شهدت العديد من القضايا الساخنة الأخرى، كالصراع في هونغ كونغ، بالإضافة إلى العقوبات على إمدادات شركة "هواوي" الرائدة في مجال شبكة الجيل الخامس، والتطورات التي تعلقت بتطبيق "تيك توك".

العلاقات الروسية الأميركية لن تكون أيضاً بعيدة عن التداعيات بعد فوز بايدن، نظراً إلى الإتهامات التي كانت وجهة إلى موسكو من قبل الحزب الديمقراطي بالتدخل في الإنتخابات الماضية من أجل تأمين فوز ترامب، كما أن البلدين يخوضان صراع على النفوذ في العديد من الساحات الساخنة، منها سوريا على سبيل المثال، ويتوقع العديد من الخبراء في العلاقات الروسية الأميركية، أن تتجه إدارة بايدن إلى التصعيد مع روسيا خلال السنوات المقبلة، حيث يرى بايدن أن نظيره الروسي فلاديمير بوتين من مهددات الأمن في أوروبا والديمقراطيات الجديدة التي نشأت بعدد تفكك الإمبراطورية الروسية، حسب مقال كان قد كتبه في مجلة "فورين أفيرز"، بينما كان نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف قد أكد أن بلاده لا تتوقع أي شيء جيد من الرئيس الأميركي، معتبراً أن سياسته الخارجية ستكون موجهة بالخوف من روسيا.

في المقابل، ليست العلاقات الأميركية الروسية وحدها ما يقلق موسكو في المرحلة المقبلة، نظراً إلى أنها تنظر بعين الريبة أيضاً إلى تطور العلاقات مع بلدان الإتحاد الأوروبي، التي من المتوقع أن تستفيد من فوز بايدن السعي إلى تحسين علاقات بلاده مع حلفاء واشنطن التقليدين. وكانت قضية المعارض الروسي أليكسي نافالني من أبرز القضايا التي سيطرت على العلاقة بين الجانبين في العام الماضي، بعد تعرضه لوعكة صحية خطيرة في شهر آب، استدعت نقله إلى إلى ألمانيا بشكل طارئ كي يتلقى العلاج، الأمر الذي أدى إلى تبادل الإتهامات بين الجانبين بالإضافة إلى فرض عقوبات متبادلة.

من أبرز الأحداث التي كان قد يشهدها العام 2020، يمكن الحديث أيضاً عن إندلاع الصراع بين أذربيجان أرمينيا في إقليم ناغورني قره باغ في شهر أيلول، بعد إندلاع المواجهات بين القوات الأذربيجانية وقوات ناغورني قره باغ. وبعد إتهامات متبادلة بين يرفيان وباكو، على مدى ما يقارب 6 أسابيع، شملت أيضاً إتهام أرمينيا تركيا بإرسال مرتزقة من سوريا من أجل القتال إلى جانب القوات الأذربيجانية، مقابل إتهامات بأن أرمينيين من الشتات يقاتلون في ناغورني قره باغ، نجحت موسكو في الوصول إلى إتفاق بين الجانبين، من أجل إنهاء المعارك التي أدت إلى سقوط أكثر من 5 آلاف قتيل، كرس انتصارات أذربيجان ومنحها مكاسب مهمة في الأراضي.

بالتزامن، من الضروري الحديث عن صراع أخرى تلعب تركيا دوراً أساسياً فيه، هو الصراع على الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط، الذي أدى إلى توتر علاقات أنقرة مع بلدان الإتحاد الأوروبي، لا سيما اليونان وقبرص، نظراً إلى أن تداعياته قد تكون أكبر في العام المقبل، بالرغم من كل مساعي التهدئة التي بذلت في العام الحالي. مع العلم أن الصراع في هذه المنطقة، الذي يشمل العديد من المحاور، كان قد شهد تطوراً بارزاً في العام 2020، تمثل في تحويل منتدى غاز البحر المتوسط، الذي يضم إسرائيل ومصر والأردن وفلسطين وقبرص وإيطاليا واليونان، إلى منظمة دولية، الأمر الذي فُسر على أساس أنه رسالة إلى أنقرة التي تشهد علاقاتها مع الدول الأعضاء في هذا المحور توترات كبيرة، مع العلم أن هذا التحول سيكون له، على الأرجح، آثاراً سلبية على مصالح جميع الدول الأخرى المعينة بالثروة الغازية في هذه المنطقة، ومنها لبنان وسوريا بشكل أساسي.

في المحصلة، العام 2020 لم يكن عاماً عادياً على مستوى العالم، في ظل الأحداث الذي شهده وتمت الإشارة إلى أبرزها في هذا التقرير، بإنتظار التداعيات التي ستتركها على العام 2021، نظراً إلى أن معظم الدول تنتظر، بالإضافة إلى معرفة المسار الذي سيسلكه تطور فيروس كورونا، ما قد تقدم عليه إدارة الرئيس الأميركي المنتخب في ما يتعلق بعلاقاتها مع العديد من الدول الأخرى، من دون تجاهل القلق من إقدام الرئيس الأميركي الخسار على أي مغامرة غير محسوبة النتائج، حيث يمكن وصف نهايته بالعبارة التالية: "العالم ينتظر بادين ويخشى تهور ترامب".