أطلق الرئيس السابق ل​مجلس شورى الدولة​ القاضي ​شكري صادر​ سلسلة مواقف في ​مقابلة​ مع إحدى الصحف الخليجية بتاريخ 31-12-2020، حيث تناول فيها قضية ​انفجار​ ​المرفأ​ وما وصلت اليه في السياق القضائي. وبما ان المقابلة مع صحيفة خليجية فكان لا بد من حشر ​حزب الله​ في الموضوع.

من غير اللائق الدخول في جدال قانوني مع قاض بوزن القاضي صادر، خاصة من غير المتخصصين، ولكنه وقع في المحظور عندما تدخل بشكل سافر بقضية ما زالت قيد النظر امام ​محكمة التمييز​، وهي طلب نقل الدعوى من القاضي العدلي ​فادي صوان​ للإرتياب المشروع. ومارس ضغطاً معنويا تخلّله إهانة للمحكمة خاصة وللقضاء عامة، عندما اعتبر أن ردها للطلب هو تأكيد على استقلالية ​القضاء​ وأنه سيدخلها باب التاريخ المشرف، بينما قبول طلب النقل سيدخلها "مزبلة التاريخ" بحسب تعبيره وهذا باكورة دخوله عالم ​السياسة​.

كيف يسمح لنفسه بأخذ قرار في قضية حساسة لم يطّلع على ملفّها. وهو الذي ما فتئ يردّد انه أخرج من منصبه لرفضه التدخل السياسي في القضاء.

هذا في الجانب القضائي، أما في الجانب السياسي الذي ولجه القاضي صادر من أضيق ابوابه مهاجما ​رئيس الجمهورية​ وحزب الله دون غيرهما من الأطراف. مدعيا أن رفض الرئاسة والحزب لل​تحقيق​ الدولي هو لإخفاء الحقيقة وتمييع التحقيق! متناسيا درس ​المحكمة الدولية​ السابقة وكلفتها الباهظة. وتخبطها، ونتيجتها المخيبة للعدو والصديق. بعد أن استباحت اللجنة كل الأرشيف الأمني والشخصي للشعب ال​لبنان​ي بحجة التحقيق. ليظهر في السنوات الأخيرة الماضية مدى التناغم بين اجراءات ومواعيد المحكمة مع روزنامة السياسة الأميركية ومن خلفها ال​إسرائيل​ية.

فعلام استغراب الرفض لتسليم الرقبة مجددا للعدو؟ كما ان استشهاده بكلام المحقق الأول الإيرلندي بيتر فيتزجيرالد (وهو مجرد ضابط تحقيق لكنه فرنجي) عن أن لبنان لا يريد معرفة الحقيقة في قضية (رفيق) الحريري، واسقاطها على انفجار المرفأ، في غير مكانه، لأن اغتيال الحريري كان عملية اغتيال واضحة وليس انفجاراً عرضيا.

ينضمّ القاضي صادر الى الجوقة المطالبة بتعليق المشانق للمرتكبين المفترضين لإنفجار المرفأ وكأنها حصلت عن سابق تصور وتصميم. بينما توصلت ​التحقيقات​ المحلية وهي كافية، الى رواية شبه كاملة لقصة حياة ​السفينة​ والربان والمالك وما حصل منذ انطلاقها الى حين وصولها، على عكس ما أوحى صادر أن هذه الأمور لم تتحقق. كما أنّ ال​باخرة​ لم تتعطّل الاّ بعد ان بدأوا بتحميل معدّات ثقيلة على متنها وهي التي كانت متجاوزة لحمولتها القصوى أصلا.

فحصل تصدع في بينيانها مما اوقف عملية الشحن. ولماذا الإستغراب من الحمولة الزائدة لباخرة متهالكة؟ حتى ​الطيران المدني​ أحيانا يتجاوز بعض معايير الصيانة والعمر المفترض لل​طائرة​ فيتم منعها من دخول معظم البلدان لتبقى تعمل في دول ​العالم​ الثالث، كما حصل في فاجعة طائرة كوتونو التي لم ينسها ​اللبنانيون​.

وأخيرا لا بد من إقحام اسم حزب الله في الموضوع ليصبح للمقابلة "رنّة". فيعتبر صادر ان حزب الله أعطى ​اسرائيل​ صكّ براءة بعد أن استبعد فرضيّة الإعتداء الإسرائيلي (نظريّة الحبّ والتنسيق السرّي بين الحزب واسرائيل). مع أن الحزب لمّ يحقّق بالموضوع ومنعت حتى فرق ​الدفاع المدني​ والإسعاف الصحّي التابعة له من دخول حرم المرفأ. وقد اعلن الحزب بوضوح أنه في حال تبين ان لإسرائيل دورا في الإنفجار فإنه سيرد برد مكافئ.

حادث لا جريمة؟

ما جرى في المرفأ تم تصويره من عشرات الكاميرات ومختلف الإتجاهات، وهو بدأ بحريق صغير في العنبر واستدعيت المطافئ لمعالجته، ولو كان مفتاح المستودع موجودا لأمكن السيطرة على الوضع قبل امتداد الحريق، نعم حصل إخلال خطير بضوابط تخزين المفرقعات. حيث يعلم أيّ مبتدئ في عالم المتفجرات أن نيترات الأمّونيوم غير قابلة للإشتعال أصلا، ولا تنفجر الا بصاعق يولّد الموجة الإنفجاريّة اللازم ، وتحتاج هذه الحبيبات الى الصهر في قوالب لتصبح جاهزة للتفجير وحتى لو سقطت عليها ​قذيفة​ وهي في الأكياس لم تكن لتنفجر كلها. فحتّى في قوالب الـ"TNT" الجاهزة للتفجير عندما تكون كمية المتفجرات كبيرة لا بد من استعمال عدّة صواعق، كما نشاهد في مفخّخات الجماعات التكفيريّة حيث تتّصل الخزّانات المحشوّة بالمتفجّرات فيما بينها بحبال تفجيريّة وصاعق على الأقل لكل خزّان، وبغير هذه الطريقة فإن الخزان الذي ينفجر أولا سيرمي الخزانات الأخرى بعيدا قبل وصول الموجة التفجيرية اليها. وكثيرا ما كانت تفشل بعض التفجيرات بسبب سوء التشبيك. وبحسب التقرير الفنّي فإنّ عدّة عوامل اجتمعت لحصول الإنفجار، ابرزها طول مدة التخزين والحرارة القويّة التي اذابت بعض النيترات وأخرجت منها العصارة القابلة للإشتعال. إضافة الى المواد الملتهبة والمفرقعات المخزنة في نفس العنبر، وطبيعة تصميم العنبر قليل التهوئة ممّا حوّله الى فرن مقفل أدى لإنفجار الغازات المتجمعة، فلو كان العنبر بلا سقف ايضأ لما حصل الإنفجار.

في النهاية كان على القاضي صادر أن يتبيّن قبل إطلاقه لهذه المواقف، وعدم الاستعجال في تقديم اوراق اعتماده في عالم السياسة. والا فإنها ستسيء الى الصورة التي كّونها عن نفسه كمكافح من أجل الحق والعدالة.